“عدنا منتصرين”: من حوش قطمة إلى معصران… رحلة العودة إلى الجذور

Facebook
WhatsApp
Telegram

خاص - سوريا 24

“فرحتنا اليوم أكبر من فرحة الحجاج عند عودتهم من مكة… بعد سنين من البرد، والحر، والتعب، اليوم عدنا منتصرين، إلى أرضنا، إلى بيوتنا، إلى ترابنا الذي لم ننسه يومًا.”

بهذه الكلمات المليئة بالشوق والانتصار، عبّر محمد إبراهيم، أحد المهجّرين السوريين، عن لحظة عودته إلى بلدته معصران في ريف معرة النعمان، بعد سنوات من النزوح القاسي في مخيم حوش قطمة بريف عفرين. عودة لم تكن سهلة، لا من حيث الطريق، ولا من حيث الواقع الذي ينتظرهم: بيوت مهدّمة، وبنى تحتية مدمّرة، وخدمات معدومة، وألغام لم تنفجر بعد.
ومع ذلك، يقول محمد بإصرار: “حتى لو بقينا أيامًا بلا كهرباء ولا ماء… سنبقى. هذه أرضنا، ولن نغادرها مجددًا.”

هذه العودة لم تكن عشوائية، بل جاءت ضمن خطة منظّمة قادتها منظمة مزن الإنسانية، حيث أكد قائد الفريق، محمد فارس درويش، لمنصة سوريا 24، أن أول قافلة من 30 عائلة غادرت المخيم نحو بلدة معصران، كجزء من برنامج أوسع لإعادة المهجّرين إلى قراهم الأصلية، يشمل 25 شاحنة تنقل الأهالي بالتنسيق مع المجالس المحلية والوجهاء والجهات الداعمة.
تمت مراعاة ظروف العائلات من حيث عدد الأفراد واحتياجاتهم اللوجستية، في محاولة لتأمين عودة كريمة وآمنة.

لكن الطريق إلى الاستقرار لا يزال محفوفًا بالمخاطر. فبعد سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر 2024، أعلنت منظمة الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) عن وجود أكثر من 300 ألف لغم وذخائر غير منفجرة منتشرة في الأراضي الزراعية والسكنية، تسببت خلال ثلاثة أشهر فقط بمقتل 249 مدنيًا وإصابة 379 آخرين، بحسب تقارير منظمة INSO. كما أفادت تقارير صحفية دولية بمصرع أكثر من 200 مدني، بينهم نساء وأطفال، نتيجة انفجارات متفرقة في مناطق العودة.

وإلى جانب الخطر الأمني، يُضاف الدمار الواسع: فقد أشارت الأمم المتحدة إلى أن 328 ألف منزل دُمّر بالكامل من أصل 5.5 ملايين منزل في سوريا، وتعرّض نحو ثلث المنازل لأضرار جسيمة. كما تم تدمير أكثر من 50% من شبكات المياه والصرف الصحي، وأُغلقت نصف المدارس تقريبًا، بينما تراجع إنتاج الكهرباء بنسبة 80%، ما يجعل الحياة في القرى العائدة شديدة القسوة.

أما على الصعيد المالي، فتُعدّ كلفة إعادة الإعمار من أعلى الأرقام المسجّلة عالميًا في مرحلة ما بعد الحرب. فبعد أن قدّرتها الأمم المتحدة عام 2017 بحوالي 250 مليار دولار، رفع البنك الدولي التقديرات لاحقًا إلى ما بين 300 و500 مليار دولار، في ظل انهيار البنية التحتية والمؤسسات وانعدام الموارد المحلية.

ورغم كل هذه الأرقام الثقيلة، تبقى القصص الإنسانية أقوى من الخرائط والإحصائيات. فآلاف العائلات السورية، مثل عائلة محمد، اختارت أن تعود رغم كل شيء. لم تعد قادرة على تحمّل حر الصيف القاسي في المخيمات، ولا صقيع الشتاء القاتل، ولا الحياة المعلّقة على مساعدات لا تكفي يومًا بيوم.

لقد عادوا، لا لأن الظروف أصبحت مثالية، بل لأنهم تعبوا من الانتظار، ومن حياة الطوارئ. عادوا إلى بيوت مدمّرة، لكنها بيوت. إلى أرض مزروعة ألغامًا، لكنها أرضهم. عادوا ليبدأوا من جديد، لأن الجذور، حين تنادي، لا يُمكن تجاهلها، كما يقول عدد كبير من المهجّرين في المخيمات الحدودية في الشمال السوري ممن التقتهم منصة سوريا 24.

مقالات ذات صلة