الحرب الإسرائيلية الإيرانية… هل تعيد الميليشيات الإيرانية إلى الواجهة في الشرق السوري؟

Facebook
WhatsApp
Telegram

خاص - سوريا 24

في ظل تصاعد الحرب العسكرية المفتوحة منذ أيام بين إيران وإسرائيل، وازدياد حدة الضربات العسكرية المتبادلة بين تل أبيب وطهران، يبرز سؤال محوري: هل تسعى طهران إلى إعادة تموضع خلاياها المسلحة في الشرق السوري لإثارة الفوضى أو الضغط السياسي والعسكري؟.

هذا السيناريو يُطرح بقوة بالتزامن مع حملة أمنية شنتها السلطات السورية، قبل يومين، استهدفت مجموعات تابعة للميليشيات الإيرانية في مدينة الميادين، وأسفرت عن اعتقال أكثر من 40 عنصراً، في وقت فرّت فيه قيادات محلية نحو الحدود العراقية.

النفوذ الإيراني من مشروع توسعي إلى خلايا محدودة

رأى الصحفي والناشط السياسي عمر خطاب أن الميليشيات الإيرانية في محافظة دير الزور تمكّنت خلال السنوات الماضية من التغلغل في مفاصل الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، مشيرًا إلى أن هذا النفوذ لم يقتصر على الأبعاد المحلية، بل ارتبط بشكل وثيق بالصراع الإيراني–الإسرائيلي، وبمحاولة طهران تثبيت وجودها العسكري والأيديولوجي في الشرق السوري.
وقال خطاب لمنصة سوريا 24: إنّ “هذه الميليشيات استثمرت في الشبكات المحلية، واستغلّت التهميش والفوضى الأمنية، لتوسيع سيطرتها من خلال المال والسلاح، وتحديدًا عبر أدوات كتهريب المخدرات والأسلحة، وبناء ولاءات ظرفية على أسس مصلحية أو طائفية”.

وفي تعليقه على الحملات الأمنية الأخيرة التي استهدفت مقار وعناصر تابعة للفصائل الموالية لإيران، أوضح خطاب أن الحملة التي بدأت في مدينة الميادين بتاريخ 16 يونيو 2025 مثّلت خطوة مهمة وضرورية، واصفًا إياها بـ”المنظمة والقوية”، مشيرًا إلى أنها بدأت فجرًا وامتدت إلى مناطق أخرى في ريف دير الزور الشرقي، خاصة تلك التي خضعت لنفوذ الميليشيات بين عامي 2017 و2024.

وأرجع خطاب أهمية هذه الحملة إلى ما وصفه بـ”التهديد المركّب” الذي تمثله تلك الجماعات، سواء من حيث دورها في تفكيك البنية الاجتماعية ونشر المخدرات، أو من خلال تورطها في أنشطة أمنية تشكّل خطرًا على الاستقرار المحلي. كما كشف أن عدد المعتقلين تجاوز أربعين عنصراً، جميعهم كانوا مرتبطين بالحرس الثوري أو ميليشيات محلية موالية لإيران، فيما تمكّنت بعض القيادات من الفرار خارج المنطقة.

وأشار إلى أن هذه الإجراءات يجب ألا تكون حدثًا مؤقتًا، بل سياسة أمنية مستمرة تهدف إلى اجتثاث هذا النفوذ بشكل كامل.

بين التشيّع الأيديولوجي والمصلحي

وفي ما يتعلق بطبيعة التشيّع في دير الزور، أوضح خطاب أن الغالبية العظمى من الحالات لم تكن نتيجة قناعة مذهبية أو تبنٍّ لأيديولوجيا دينية، بل كانت نتيجة ظروف مصلحية، ترتبط بالحصول على المال أو الحماية.

وقال إن الاستثناء الأبرز كان في قرية حطلة، التي برز منها عناصر يحملون توجهًا أيديولوجيًا صريحًا، لا سيما جماعة يقودها ياسين المعيوف، المنتمي إلى الجناح السوري لحزب الله.

ورغم الضربات الأمنية، أشار خطاب إلى أن إيران لم تفك ارتباطها بهذه العناصر، بل واصلت التواصل معهم عبر قنوات تهريب ونقل أموال وعمليات مالية غير مشروعة، ما يعكس استمرار المصالح المشتركة، ولو في الخفاء.

البوكمال… النقطة الساخنة القادمة

ورأى خطاب أن منطقة البوكمال وأريافها ما تزال تُعد الأكثر قابلية للاشتعال، بسبب قربها من الحدود العراقية، وبقاء عدد من عناصر “الحشد الشعبي” والحرس الثوري نشطين فيها، إضافة إلى وجود القيادي الإيراني المعروف بـ الحاج عسكري، الذي أدار شبكات إيرانية مسلحة بين عامي 2018 و2024، ويُعتقد أنه ما زال ينشط من مدينة القائم العراقية ويحاول إعادة تفعيل خلاياه في الداخل السوري.

وأضاف أن هذه التحركات تهدف إلى إرباك السلطة الجديدة وخلق حالة من الفوضى في مرحلة حساسة من إعادة بناء الدولة السورية.

قدرة السلطة الجديدة… محدودة ولكن ممكنة

وفي معرض تقييمه لمدى قدرة السلطة السورية الجديدة على التعامل مع هذا الملف، أشار خطاب إلى وجود ثغرات بنيوية في الأداء الأمني والإداري، معتبرًا أن الحكومة ارتكبت أخطاء باعتمادها على عناصر محلية كانت على علاقة سابقة بالحرس الثوري، بدلاً من الاعتماد على القوى الثورية أو النخب المحلية الموثوقة.

وأرجع محدودية السيطرة إلى الاعتبارات العشائرية والمناطقية التي ما زالت تلعب دورًا في القرار الأمني، مما يعيق اتخاذ إجراءات حاسمة.

مع ذلك، رأى خطاب أن هناك فرصة حقيقية لتحسين الواقع، داعيًا إلى ضرورة اعتماد مقاربة متعددة الأبعاد تشمل: “إعادة ضبط الحوكمة الأمنية، تمكين المجتمعات المحلية ذات الطابع الوطني، ودعم المبادرات الذاتية لمواجهة النفوذ الإيراني”.

الميلشيات الموالية لإيران تحوّلت إلى خلايا محدودة التأثير

من جهته، قال الباحث السياسي فراس علاوي لـ”سوريا 24″ إن ما تبقى من الوجود الإيراني في الشمال والشرق السوري لم يعد ميليشيات منظّمة، بل خلايا محلية محدودة التأثير.وأوضح أن معظم هذه الخلايا ليست عقائدية، بل تشكلت بدوافع مصلحية، وهي لا تملك بنية واضحة ولا قدرة على فرض أي حضور عسكري فاعل.

ورأى علاوي أن إيران قد تسعى إلى استخدام هذه الخلايا في لحظة ما من التصعيد مع إسرائيل، إلا أن قدرتها على التأثير تظل محدودة، ولا تتعدى تنفيذ عمليات تخريب أو اغتيالات فردية.

وأشار إلى أن وجود القوات الأمريكية في مناطق الشرق يشكل عامل ردع مباشر يمنع هذه الخلايا من التوسع أو إعادة التموضع بفعالية، مضيفًا أن الخطر ما زال قائماً، لكنه في إطار يمكن احتواؤه.

وختم علاوي بالقول إن هذه الخلايا اليوم تمثّل بؤرًا هامشية، لكنها تبقى أدوات قابلة للاستغلال الإيراني، ولذلك فإن تفكيكها يتطلب جهداً أمنيًا متماسكًا، وإرادة سياسية واضحة من قبل السلطة السورية الجديدة، مدعومة برؤية إقليمية شاملة لضمان الاستقرار في شرق البلاد.

تكشف المعطيات الأمنية والسياسية في شرق سوريا عن تراجع ملحوظ في الوجود المباشر للميليشيات الإيرانية، وتحول هذا النفوذ إلى خلايا محلية صغيرة ومصلحية.

ورغم محدودية قدرتها على التحرك العسكري، إلا أن ارتباطها بالخارج، وتحديدًا بإيران، يجعل منها أدوات محتملة لإثارة الفوضى أو تنفيذ أعمال تخريبية ضمن الصراع الإقليمي.

ويرى المراقبون أن معالجة هذا التحدي تتطلب جهودًا مستدامة تتجاوز المقاربة الأمنية التقليدية، نحو دعم الحوكمة المحلية وتمكين المجتمع وتفعيل شبكة الردع الإقليمي، لضمان تحصين شرق سوريا من محاولات الاستغلال الإيراني المتجدد.

مقالات ذات صلة