في ظل الظروف المعيشية الصعبة التي تمر بها مناطق ريف حمص الشمالي، برزت أزمة الصرف الصحي كواحدة من أبرز المشكلات الخدمية التي تعصف بحياة السكان وتهدد الصحة العامة وسلامة البيئة.
وتعد مدينة تلبيسة في مقدمة المناطق التي تعاني من هذه الأزمة، حيث تحولت مشكلة الصرف الصحي إلى كارثة صحية حقيقية تهدد حياة نحو 30 ألف نسمة.
شبكة متهالكة في الشرق ولا شيء في الغرب
يؤكد مروان نوح، من سكان مدينة تلبيسة، أن “مشكلة الصرف الصحي في تلبيسة بشكل عام سيئة للغاية”، مشيرًا إلى أن القسم الشرقي للمدينة الواقع على جانب الطريق العام (المعروف محليًا باسم الأوتوستراد) يمتلك شبكة صرف قديمة متهالكة.
ويضيف: “الشبكة تالفة، والمواصفات التنفيذية غير سليمة، إضافة إلى ما خلفته الحرب من انهيارات وتشققات بسبب القصف والاشتباكات المسلحة”.
وأشار في حديثه لمنصة سوريا 24 إلى أن الردميات والأتربة الناتجة عن المعارك السابقة دخلت إلى الشبكة، مما زاد من تعقيد تصليحها، واستلزم جهدًا وتكاليف كبيرة لا تملك الجهات المحلية القدرة على توفيرها حاليًا.
أما في القسم الغربي من المدينة، فإن الوضع أكثر سوءًا، إذ لا توجد شبكة صرف صحي نظامية أصلًا. ويوضح نوح أن المواطنين يعتمدون على “الجور الفنية” أو ما يُعرف بـ”الحفر الفنية”، حيث يقوم كل منزل بحفر حفرة خاصة لتصريف المياه العادمة بطريقة غير آمنة.
تلوث بيئي وانتشار أمراض
ولفت نوح إلى خطورة هذا الواقع غير الصحي، قائلًا: “المياه العادمة تسربت إلى التربة، خصوصًا أن المنطقة الغربية تُعد منطقة زراعية”، مشيرًا إلى أن مياه التنظيف ومياه المرحاض وغيرها من المخلفات المنزلية تتسرب مباشرة إلى الأرض، مما يؤدي إلى تلوث الآبار الجوفية وانتشار الأمراض.
وأضاف: “أصبحت المياه الجوفية غير صالحة للاستخدام البشري أو الزراعي، ومع نقص حاد في مصادر المياه العذبة، يضطر الكثيرون لاستخدام هذه المياه رغم مخاطرها، مما يؤدي إلى انتشار المشاكل الصحية بين الأطفال وكبار السن، مثل الأمراض الجلدية والمعوية”.
مشروع كبير ضروري لكن التمويل عائق
وأشار نوح إلى أن الحل الوحيد هو تنفيذ مشروع شامل لشبكة صرف صحي جديدة يمكن ربطها بنهر العاصي، لكن ذلك يتطلب إنشاء محطة تصفية وتحليل للمياه قبل تصريفها في النهر.
وأوضح أن المشروع يحتاج إلى تمويل ضخم، فقدرت دراسة سابقة تكلفته بنحو 5-6 ملايين دولار أمريكي، وهو رقم كبير حتى بالنسبة للدولة حاليًا، فما بالك بالجهود المحلية أو الجمعيات الأهلية التي تعتمد على التبرعات فقط.
آمال بأعمال إنقاذية مؤقتة
بدوره، أكد إبراهيم قيسون أن المشكلة ليست جديدة، بل تمتد لأكثر من عشر سنوات، وقد حاولت الجهات المعنية سابقًا تنفيذ مشروع صرف صحي للمنطقة في منتصف عام 2012، لكن الأحداث الأمنية أدت إلى توقفه بشكل نهائي.
وقال قيسون في حديثه لمنصة سوريا 24: “غياب شبكة صرف صحي نظامية أدى إلى انتشار الجور الفنية واستخدامها من قبل المواطنين، مما سبّب تلوثًا كبيرًا في المياه الجوفية”، مشيرًا إلى أن أغلب الآبار الموجودة في المنطقة ذات طبيعة سطحية نسبيًا وبعمق متوسط يقدر بحوالي 30 مترًا، وقد تأثرت جميعها وتلوثت بمياه الصرف.
وأضاف أن هناك رغبة قوية من الأهالي لإيجاد حل جذري لهذه المشكلة عبر مد شبكة صرف صحي شاملة، ليس فقط لتحسين الواقع الصحي، بل لأن هذا المشروع سيرافقه تأهيل وتعبيد للطرقات، التي ما زالت أغلبها غير معبدة أو منهارة، مما يؤدي إلى العديد من المشاكل اليومية.
موقف الحكومة: ضيق إمكانات مالية
من جانبه، قال عبد القادر الشعبان، رئيس المجلس المحلي لمدينة تلبيسة، في حديثه لمنصة سوريا 24: “الموضوع قديم جدًا ومنذ عشرات السنوات”، مشيرًا إلى أن هناك فكرة لإنجاز مشاريع خدمية في المحورين الشرقي والغربي.
وأكد أن “إحدى المنظمات تعمل حاليًا على المحور الشرقي، ومن المتوقع الانتهاء من تنفيذ المشاريع الخدمية فيه قبل فصل الشتاء”. أما بالنسبة للمحور الغربي، فهو يمتد على طول 14 كم، وتُقدّر تكاليف أعماله بأكثر من 50 مليار ليرة سورية، وهي تكاليف باهظة لا تمتلك الدولة القدرة على تغطيتها حاليًا.
وقال الشعبان: “ما تم إنجازه في مشروع الخط الغربي هو 5% فقط، وذلك قبيل اندلاع الثورة السورية”، مضيفًا: “نعد الأهالي بأنه بعد الانتهاء من المحور الشرقي سيبدأ العمل على المحور الغربي، لكن الأمر يحتاج إلى قليل من الصبر، ولن يكون هناك أي تقصير تجاه أهالي المنطقة”.
استغاثة إنسانية
وفي ظل غياب الحلول الفورية، تستمر معاناة أهالي تلبيسة مع أزمة الصرف الصحي، التي باتت تهدد حياتهم اليومية وصحة الإنسان وبيئته.
وبينما تنتظر المدينة دعمًا دوليًا أو تدخلات إنسانية عاجلة، تبقى الأوضاع تتفاقم يومًا بعد يوم، ويزداد معها القلق بشأن مستقبل صحي وبيئي قد يكون كارثيًا إذا لم يُتخذ موقف سريع وفعّال.