في مدينة نوى غرب محافظة درعا، لا يكاد يمر يوم دون أن يتحول مشهد انتظار المياه إلى ما يشبه الطقوس اليومية للمئات من الأسر، التي باتت تعتمد على صهاريج باهظة الثمن أو مياه شحيحة تصلهم بحدودها الدنيا كل بضعة أسابيع. ومع دخول الصيف وارتفاع درجات الحرارة، تتزايد مخاوف السكان من تدهور الوضع بشكل كامل.
شحٌ في المياه وأسعار تثقل كاهل الأهالي
“المياه هي أساس كل شيء… الشرب، الطبخ، النظافة، وحتى الصلاة، واليوم بتنا نقنن استخدامها كما نقنن الطعام”، بهذه العبارات وصف الناشط أحمد جهماني حالة السكان في حديث لسوريا24، مشيرًا إلى أن معظم العائلات اضطرت للاعتماد على صهاريج المياه التي تجاوز سعر الواحد منها 90 ألف ليرة سورية، وهو مبلغ “لا يقوى عليه ذوو الدخل المحدود”.
وأضاف أن الوضع منهك نفسيًا وجسديًا، خاصة بالنسبة للعائلات التي تضم أطفالًا أو مسنين، متحدثًا عن فقدان الثقة بحل قريب، في ظل غياب التصريحات الرسمية المطمئنة.
من جانبه، قال المواطن أبو سعيد الخبي لسوريا24 إن المياه كانت تصل إليهم مرة كل 20 يومًا، أما الآن وبعد توقف الضخ، فقد تمتد الفترة إلى شهر أو أكثر. وأضاف:
> “نقتصر في استخدام المياه على الشرب والغسيل فقط، ونعتمد على شراء الصهاريج التي يتحكم أصحابها بالأسعار حسب نوع الوقود المستخدم في الضخ”.
رؤية ميدانية للحل: الحفر قرب تل الجموع
أما المواطن أبو نورس أبو السل فطرح حلًا عمليًا لما وصفه بـ”أزمة دائمة لا مؤقتة”، يتمثل في حفر آبار جديدة في الجهة الغربية من نوى، قرب مضخة تل الجموع. وأشار إلى وجود نقطة حفر جاهزة ضمن أرض المضخة تحتوي على مياه جوفية جيدة بحسب خبراء، داعيًا من خلال سوريا24 الجهات الرسمية للإسراع بالتنفيذ في ظل توفر الأنابيب والمعدات، محذرًا من أن الوضع مرشح للتفاقم أكثر دون تدخل حقيقي.
الرأي الرسمي: تراجع حاد في الغزارة وحلول طارئة قيد التنفيذ
وفي أول تصريح رسمي حول الأزمة، أوضح المهندس مأمون المصري مدير المؤسسة العامة للمياه في درعا، في تصريح لسوريا24 أن مشروع الثورة – المرحلة الثالثة، المغذي الرئيسي لمدينة نوى والتجمعات المحيطة بها، شهد تراجعًا ملحوظًا في غزارته منذ عام 2011.
في عام 2011 بلغت الغزارة حوالي 750 مترًا مكعبًا في الساعة، لكنها انخفضت تدريجيًا حتى وصلت إلى 400 م³/ساعة في بداية عام 2025، ثم تراجعت في الشهر الأخير لتصل إلى 275 مترًا مكعبًا فقط”، بحسب المصري.
وأوضح أن محافظة درعا تعتمد أساسًا على الينابيع السطحية والآبار الجوفية في تأمين مياه الشرب، إلا أن هذه المصادر تأثرت سلبًا نتيجة التغيرات المناخية، وقلة الهطل المطري، والحفر العشوائي المخالف للآبار الزراعية.
كخطة طوارئ، أكد المصري أن المؤسسة أعادت تأهيل مشروع الثورة المرحلة الثالثة بالتعاون مع منظمات دولية، كما تم تأهيل بئر داخل مدينة نوى، وبدأت صيانة لعدد من الآبار المتوقفة، في حين لا تزال هناك آبار أخرى مدرجة ضمن برنامج صيانة لم يبدأ العمل بها بعد.
وأشار أيضًا إلى تحرك رسمي بالتنسيق مع السيد محافظ درعا أنور طه الزعبي، لمواجهة مخالفات الحفر والتعديات على الشبكات، وضمان الحفاظ على غزارة مصادر مياه الشرب وتأمين المخصصات اللازمة للتجمعات السكنية.
استجرار من القنيطرة… مشروع استراتيجي قيد الدراسة
ختامًا، كشف المهندس المصري عن خطة استراتيجية قيد الدراسة لاستجرار المياه من سدود محافظة القنيطرة إلى درعا، مؤكدًا أن اللجان الفنية والتقنية بدأت بإعداد الدراسة التي تهدف لتحقيق أمن مائي وتوزيع عادل بين المحافظتين.
بينما يترقّب أهالي نوى حلولًا فعلية تضع حدًا لمعاناتهم اليومية مع العطش، تبقى وعود الصيانة والدراسات الاستراتيجية رهينة الزمن والإجراءات، في وقت لا يحتمل فيه السكان مزيدًا من التأخير