في ظل تصاعد التوترات بعد تفجير كنيسة مار إلياس للروم الأرثوذكس في حي الدويلعة بدمشق، تتجه الأنظار إلى الجهات المسؤولة عن هذا العمل الإرهابي، والأهداف الحقيقية منه، ومدى تأثيره على النسيج المجتمعي السوري المترابط تاريخيا بين مختلف الطوائف.
وعقد وزير الداخلية أنس خطاب، إلى جانب رئيس جهاز الاستخبارات العامة حسين السلامة، اليوم الإثنين، جلسة طارئة خُصصت للوقوف على آخر مجريات التحقيقات المتعلقة بالتفجير الإرهابي الغادر الذي وقع يوم أمس في كنيسة القديس مار إلياس.
التحقيق جارٍ.. والخوف من التكرار
وباشرت الفرق المختصة في وزارة الداخلية التحقيقات للوقوف على ملابسات “الجريمة النكراء”.
وأكدت الوزارة في بيان أن هذه الأعمال الإرهابية لن توقف جهود الدولة السورية في تحقيق السلم الأهلي، ولن تثني السوريين عن خيار وحدة الصف في مواجهة كل من يسعى للعبث باستقرارهم وأمنهم.
من جهته، القس ديمتريوس الحداد، كاهن كنيسة السقيلبية، قال إن “الجميع ينتظر التحقيق الذي تجريه وزارة الداخلية”، مشيرا إلى أن “كل شخص يسعى إلى زعزعة الاستقرار والهدوء والبناء هو مستفيد، ولكن أظن أنه عمل منظم وله أهداف ستظهر مع الزمن”.
وأضاف في حديث لمنصة سوريا ٢٤: “الواضح مبدئيا زعزعة الاستقرار. عموما الشعب السوري واعٍ لهكذا تصرفات، ولكن الخوف من التكرار وعدم كشف الفاعلين ومحاسبتهم، وخاصة إذا تكررت هذه الأعمال”.
وتابع الحداد: “نأمل ألا تؤثر (التفجيرات) لأن النسيج المجتمعي يعاني منذ بداية الثورة، واليوم نحن في مرحلة البناء وإعادة الثقة، لذلك نحن نربي طفلا في الحاضنة، وعلى الجميع الانتباه وضبط النفس ونشر ثقافة المحبة ونبذ الكراهية بكل أشكالها”.
وأكد الحداد أن “الحادث فظيع ومزعج”، معربا عن تعازيه لأهل الضحايا وتمنياته الشفاء للجرحى، وقال: “ونتمنى الشفاء أيضا لمن يزرع الفتنة ويبث الفوضى، شفاءه من هذا المرض الخطير، ونصلي أن يندمج في المجتمع”.
المفتي يربط بين داعش وإيران والنظام
وعقب التفجير الإرهابي، توالت ردود الأفعال العربية والدولية التي أعربت عن إدانتها الشديدة لهذا التفجير، معربة في ذات الوقت عن تضامنها مع الشعب السوري ورفضها القاطع لخطاب الإرهاب والعنف.
من جانبه، ربط الشيخ عبد الرحمن الضحيك، مفتي ريف حمص، المسؤولية بالجهات التي يراها وراء إرهاب داعش، قائلا: “برأيي، المسؤول عن ذلك هو داعمو داعش: إيران وفلول نظام الأسد”.
وأشار في حديث لمنصة إلى أن “الهدف ربما هو إحداث الفتنة بين النظام الحالي والدول الغربية، خاصة أن الأقلية المسيحية لم يُذكر عنها أي مشاكل مع الدولة الجديدة، كسائر الأقليات كالكرد والعلويين والدروز”.
وأوضح أن “فلعلهم أرادوا بذلك إظهار إقصاء وتنحية الأقليات للمجتمع الغربي”، لكنه أكد أن “هذه الأفعال لن تفلح في تمزيق المجتمع السوري، وخاصة أن الأكثرية السنية لم يُعهد عنها منذ القديم إقصاء باقي الأقليات، بل كانت الأقليات تعيش في كنف السنة”.
وقال الضحيك: “لو كان السنة عنصريين كما يُشاع عنهم، لما وُجد اليوم أحد من الأقليات. وجود الأقليات في سوريا منذ مئات السنين هو من أكبر الأدلة على أن السنة ليسوا عنصريين”.
المرصد الآشوري: تحريض متعمد
من جهته، أدان جميل دياربكرلي، المدير التنفيذي للمرصد الآشوري لحقوق الإنسان، بشدة التفجير، مؤكدا أن “لا يمكن فصل هذا الاعتداء عن السياق العام الذي تعيشه سوريا، حيث تزايدت في الآونة الأخيرة مظاهر التحريض الطائفي وخطاب الكراهية، خصوصا تجاه الأقليات، في ظل صمت رسمي يصل حد التواطؤ، وتغذية لهذا الخطاب من خلال الذباب الإلكتروني المرتبط بجهات معروفة”.
وأشار دياربكرلي في حديث لمنصة سوريا ٢٤ إلى أن “الهدف من هذا العمل الإجرامي هو زعزعة الاستقرار وضرب ما تبقى من وحدة المجتمع السوري، عبر استهداف مكون أصيل من مكوناته التاريخية، وهو الوجود المسيحي، تماما كما جرى في فترات سابقة بحق مكونات أخرى كالدروز والعلويين”.
واتهم السلطات السورية بأنها “سارعت إلى اتهام تنظيم داعش أو غيره قبل أن تُستكمل التحقيقات أو تتضح الحقائق، مما يدل على غياب المهنية والرغبة الحقيقية في الوصول إلى الجناة، وكأن المطلوب هو طي الملف بسرعة وليس كشف ملابساته”.
وأكد أن “السلطات اليوم أمام امتحان حقيقي، ليس فقط في تحديد المسؤولين عن التفجير ومحاسبتهم، بل في إثبات قدرتها على حماية مواطنيها جميعا دون تمييز”.
ودعا إلى “إعادة بناء الدولة من خلال الاعتراف بجميع مكوناتها كمواطنين متساوين في الحقوق والكرامة”، مشيرا إلى أن “استمرار التغاضي عن الخطابات التحريضية، أو التواطؤ معها، يفتح الباب أمام مزيد من الجرائم والانقسامات، ويدفع الأقليات نحو اليأس والرحيل، وهو ما يمثل تهديدا وجوديا للنسيج السوري برمته”.
الوضع تحت السيطرة والتحقيقات مستمرة
من جانبها، أعلنت وزارة الصحة السورية في وقت سابق اليوم ارتفاع عدد ضحايا التفجير إلى 25 قتيلا و63 مصابا، فيما أكد مراسل منصة سوريا في دمشق أن “الوضع تحت السيطرة في محيط كنيسة مار إلياس بمنطقة الدويلعة، حيث تم نشر طوق أمني مشدد حول مكان الحادث لتأمين الموقع ومنع الاقتراب منه، في حين تستمر التحقيقات المكثفة لكشف ملابسات الجريمة وتحديد هوية منفذيها”.
وبينما تشير المؤشرات إلى أن التفجير يندرج ضمن سياق أوسع من التحريض الطائفي والصراعات السياسية، فإن التحقيقات ما زالت جارية، والأقوال متباينة حول من يقف خلفه.
ومع ذلك، تظل الرسالة واحدة من رجال الدين والنشطاء والمدنيين: النسيج المجتمعي السوري قوي، لكنه يحتاج إلى حماية حقيقية من خطاب الكراهية والعنف المنظم، وإلى إعادة بناء الثقة بين جميع مكوناته، بعيدا عن التوظيف السياسي والاتهامات المتسرعة.