السويداء : حين يتحوّل الطين إلى رسالة فن ومساحة للتماسك الأهلي 

Facebook
WhatsApp
Telegram

خاص - سوريا 24

في بلد أنهكته الحرب وجفّف الألم فيها منابع الفرح، برزت كندة بركة، الفنانة التشكيلية ابنة محافظة السويداء جنوب سوريا، لتشكّل من الفخار والخزف، ومن روح الفن والإبداع، مساحةً آمنة للأطفال واليافعين، بمن فيهم ذوو الإعاقة، ومساحة مقاومة ناعمة في وجه الدمار.

كندة التي امتهنت الحرف اليدوية، وجعلت من الفخار هويّة وملاذًا، لم تكتفِ بممارسة الفن، بل قررت أن تفتح أبواب مركزٍ تدريبي يحمل اسم (إيا.. فضاء فني يتسع للجميع) يُعيد للناس، ولو جزئيًا، الثقة بالحياة والفن والعمل. “أسّستُ المركز كاستجابة لكل ما خلّفته الحرب فينا”، تقول كندة في حديثها إلى منصة سوريا 24، مشيرةً إلى أنّ الهدف الأوسع من هذا المشروع لم يكن فقط التدريب على الحرف، بل التقارب الإنساني وتضميد جراح مجتمعٍ مزقته الحرب الطويلة.

 

من خلال هذا المركز، تنظم كندة دورات فنية تدمج بين التشكيل بالصلصال وصناعة الإكسسوارات والشموع وإعادة التدوير وصنع الدمى، لتكون هذه الورشات أداة تعبير ومتنفسًا نفسيًا ووجدانيًا للمشاركين. “نُصرّ على أن نستخدم الفن رغم صوت السلاح، وهذه مقاومة بحد ذاتها”، تقول بفخر.

من أبرز الشرائح التي تستهدفها كندة في نشاطها، الأطفال والشباب والشابات وذوو الإعاقة، إذ تؤمن أنّ الفن ليس حكرًا على أحد، وأن الجميع يستحق أن يُمسك بيده طينًا ويشكّله كما يشاء، تمامًا كما يمكن لكل شخص أن يُعيد تشكيل حياته رغم الألم.

ولأن الرسالة لا تكتمل دون شراكات، تعاون المركز مع فريق “بصمتنا خضراء” البيئي، وهو فريق شبابي تطوعي كان لكندة بصمة واضحة في التعاون والعمل معهم، وأثمر التعاون عن مبادرات مبتكرة، كفكرة “لعبة وعيد”، والتي تمثّلت في تصنيع أكثر من 75 لعبة من مواد معاد تدويرها في أربعة أيام فقط، دون أي تكلفة مادية، لتوزيعها على الأطفال قبيل رأس السنة، كهدية رمزية تلامس القلوب قبل الأيدي.

 

رغم محدودية الإمكانيات، تعتمد كندة على رسوم رمزية لقاء التدريبات، محاولةً إيجاد دعم عبر التعاون مع جمعيات ومنظمات لتقديم تدريبات مجانية عند الإمكان، كما حدث عامي 2023 و2024 بالشراكة مع جمعية تنظيم الأسرة، والتي خُصصت خلالها تدريبات لفتيات من ذوات الإعاقة، وانتهت بمخرجات فنية لامست قلوب المشاركين.

 

إلى جانب نشاطها الفني، لم تكن كندة بعيدة عن الحراك المدني في السويداء، إذ ساهم مركزها في استضافة لقاءات تشاورية لسيدات معنيات بالشأن العام. وتقول: “كنا نلتقي دوريًا للتفكير بالشأن العام، وحين انطلق الحراك الشعبي، كثفنا لقاءاتنا، ورسمنا خريطة لسوريا في المركز، حملناها إلى الساحة ودعونا الناس لكتابة ما تعنيه لهم سوريا، وكانت واحدة من أكثر اللحظات التي ما زالت محفورة في قلبي”.

 

وتختتم كندة حديثها بمقولة تمثل بوصلة طريقها: “الفن هو طوق النجاة كي لا نموت من الحقيقة”، وهي بالفعل، لم تجعل من الفن أداة للعيش فقط، بل وسيلةً لمواجهة الخراب، وحكايةً يومية عن التماسك المجتمعي الذي ينبع من الطين، من النار، ومن الإيمان العميق بأن الجمال فعل مقاومة.

مقالات ذات صلة