“رجعت، بس لا في مي، لا في مدرسة، ولا حتى طريق أمشي عليه بأمان”، هكذا يصف عبد الله، أحد العائدين مؤخرًا إلى قريته في ناحية كنسبا بريف اللاذقية الشمالي، واقع الحياة بعد العودة.
عبد الله كان قد نزح منذ عام 2014، متنقلًا بين مخيمات في جسر الشغور وخربة الجوز، قبل أن يقرر العودة بعد انتهاء امتحانات أطفاله الثلاثة.
يقول عبد الله لمنصة “سوريا 24”: “في المخيمات صاروا يقطعوا عنّا كل شيء، كأنهم عم يدفعونا نرجع، بس اللي رجع فعلًا، رجع على خراب”، موضحًا أن “حتى خزان المياه مدمر، نحن العائدين نظفناه، وما في منظمة اطلعت على أحوالنا أو سألت عنا حتى الآن”.
من جهته، قال مدير إحدى المنظمات المحلية العاملة في المنطقة لـ”سوريا 24″: إن “الاستجابة الإنسانية في هذه القرى العائدة ضعيفة جدًا، واقتصرت على بعض السلل الغذائية والمساعدات النقدية”.
ويؤكد: “حتى الآن، لا وجود لخطة متكاملة لإعادة تأهيل البنى التحتية أو دعم الزراعة، والمنازل لا تزال مهدمة، والخدمات غائبة بشكل شبه تام”.
في الجانب الإحصائي، أعلن أحمد خليلو، مدير دائرة الإحصاء في اللاذقية، أن عدد العائلات العائدة فعليًا إلى قرى وبلدات ريف اللاذقية الشمالي بلغ 150 عائلة منذ بداية 2024 وحتى منتصف عام 2025، موضحًا لمنصة “سوريا 24” أن هناك عملًا جاريًا لتحديث قاعدة بيانات ميدانية لتحديد احتياجات العائدين وفق كل بلدة.
أما على صعيد الواقع الخدمي، فشرح محمد حسن قطرون، مدير دائرة الخدمات في محافظة اللاذقية، الجهود التي تبذلها المحافظة بالتنسيق مع جميع المنظمات العاملة في الجمهورية العربية السورية، بالتعاون المباشر مع مكتب العمل الإنساني، بهدف دعم العائلات العائدة إلى قراها في ريف اللاذقية الشمالي، مشيرًا إلى أن حجم التدخل لا يزال محدودًا مقارنة بحجم الاحتياجات الفعلية.
وأكد قطرون لمنصة “سوريا 24” أن ما تم تقديمه حتى الآن شمل مساعدات غذائية، وسللًا غير غذائية (NFI)، إضافة إلى مساعدات نقدية، وقد تم توزيعها وفق معايير خاصة تعتمدها المنظمات الداعمة، مع إعطاء الأولوية للأسر التي تعيلها نساء، ولذوي الاحتياجات الخاصة، وكبار السن، والعائدين المتضررين من النزاع.
رغم ذلك، وصف الاستجابة الدولية لحاجات هذه المناطق بـ”المقبولة نوعًا ما”، مشيرًا إلى أنها لا تزال دون المستوى المطلوب لتأمين استقرار مستدام للعائدين.
وحول التحديات الميدانية، أشار مدير الخدمات إلى أن غياب المياه الصالحة للشرب، وغياب الكهرباء، وانعدام المدارس والمراكز الصحية الفاعلة، تبقى أبرز العوائق التي تمنع تحوّل العودة إلى استقرار فعلي.
أما عن وضع المنازل التي فقد أصحابها أوراق ملكيتها أو تعرضت للتدمير الكامل، فأكد قطرون أن هناك آلية لإصدار قيود جديدة عن طريق مديرية الأحوال الشخصية، لتسهيل عودة الملكية القانونية للعائلات المتضررة.
وفي ما يتعلق بفرص العمل والدعم الزراعي، كشف عن وجود خطة مبدئية لدعم المشاريع الزراعية الصغيرة، لكنها ما زالت في طور التخطيط، ريثما تتوفر الموارد والتمويلات المطلوبة من الجهات المانحة.
العودة إلى الخيمة… هل هو الحل؟
تبقى الخيمة – كما قال عبد الله – خيارًا أكثر واقعية من منزل بلا باب، ومدرسة مدمرة، في منطقة بلا ماء، وسط وعود مؤجلة وحياة لم تبدأ بعد.