تعيش محافظة درعا أزمة متفاقمة في قطاع النظافة العامة، مع تصاعد شكاوى الأهالي من تكدّس القمامة في الشوارع والأحياء السكنية، وسط ضعف ملحوظ في استجابة المجالس المحلية، وتراجع الإمكانيات التشغيلية للبلديات، خاصة في مدن وبلدات مثل إزرع، جلين، نوى، الصنمين. هذا الواقع لا يهدد الصحة العامة فحسب، بل يكشف أيضًا عن شرخ متزايد في ثقة المواطنين بالمؤسسات الخدمية.
إزرع: النفايات تملأ الشوارع… والبلدية عاجزة
في مدينة إزرع، عبّر المواطن “أبو أيوب” عن غضبه، قائلاً: “لا توجد استجابة حقيقية، فقط وعود وتسويف، ويجب النظر في وضع رؤساء المجالس لعدم أهليتهم لتحمّل المسؤولية.”
وأشار إلى أن تكرار الأزمة وعدم اتخاذ إجراءات فعالة يُضعف ثقة الأهالي بالمجالس المحلية، ويكرّس الشعور بالتهميش.
من جهته، أوضح رئيس مجلس مدينة إزرع، ميسر أبو شهاب، أن البلدية تعاني من نقص حاد في الآليات، حيث توجد شاحنتان لجمع القمامة، واحدة خارج الخدمة، والأخرى قيد الإصلاح في دمشق، بالإضافة إلى تلف معظم الحاويات، ونقص في العمال، وغياب معدات مساندة.
ورغم قيام المجتمع الأهلي بتقديم 50 برميلًا مؤقتًا، وتنفيذ ثلاث حملات تنظيف من قبل مديرية الخدمات الفنية، إلا أن ذلك لا يغطي الحاجة المتزايدة، خاصة بعد ارتفاع عدد السكان نتيجة موجات النزوح الأخيرة.
جلين: جهود تطوعية في ظل انعدام الموارد
في بلدة جلين، أشار المواطن محمد كعبور إلى أن شحّ الوقود دفع السكان للتخلص من النفايات بطرق عشوائية قرب المناطق السكنية، ما أدى إلى انتشار الحشرات وتزايد المخاوف من الأمراض.
وأكد أن بعض الأهالي أطلقوا مبادرات تطوعية، إلا أنها لا تصمد طويلاً دون دعم رسمي.
بدوره، قال رئيس بلدية جلين، أبو منير: “الإمكانيات ليست ضعيفة، بل معدومة. نعتمد على التبرعات لإصلاح الآليات أو شراء الوقود.”
وأضاف أن هناك تفاوتًا بين البلديات، حيث تمتلك بعض المجالس مشاريع استثمارية تدرّ دخلاً وتسمح بتقديم خدمات أساسية، بينما تعتمد الغالبية – ومنها جلين – بشكل كامل على الدعم الحكومي المحدود.
الصنمين: نظافة شكلية في المراكز… وتهميش للأحياء
في مدينة الصنمين، أوضح المواطن محمد لباد أن النظافة تقتصر على الشوارع الرئيسية، بينما تُهمّش الأحياء الداخلية بسبب قلة العمال، وضعف توافر الوقود، ونقص الآليات. وأشار إلى وجود تعاون شعبي محدود، لكنه غير كافٍ لتغطية الاحتياج المتزايد في ظل الأوضاع الحالية.
نوى: وضع بيئي مقلق ومخاوف صحية حقيقية
في مدينة نوى، وصف المواطن أحمد الجهماني الوضع بـ”المقلق”، مشيرًا إلى أن الروائح الكريهة، والحشرات، والكلاب الشاردة أصبحت جزءًا من الحياة اليومية، مع تزايد مخاوف السكان من أمراض جلدية وتنفسية تهدد كبار السن والأطفال.
وأكد رئيس بلدية نوى، أحمد أبو السل، أن أسباب التدهور تعود إلى نقص الكوادر، وغياب المعدات، والاعتماد على الآليات القديمة بإمكانات تمويلية محدودة، مشيرًا إلى أن المدينة بحاجة إلى دعم تشغيل دائم، وعدد أكبر من العمال، وحاويات جديدة، بالإضافة إلى معدات أساسية غير متوفرة حاليًا كـ”التركس” و”البوب كات”.
مقترحات شعبية للحل
في ظل غياب خطط رسمية فعالة، عبّر المواطنون عن ضرورة التحرك الفوري لإيجاد حلول واقعية لأزمة النفايات. وشددوا على أهمية إصلاح آليات جمع القمامة المتوقفة وإعادة تأهيلها، وتأمين كميات كافية من الوقود لضمان استمرارية العمل، خاصة في ظل الاعتماد شبه الكامل على الآليات القديمة. كما طالبوا بزيادة عدد الحاويات في الأحياء السكنية، وتجديد التالف منها، وتوفير دعم مادي ومعنوي لعمال النظافة من خلال صرف رواتب منتظمة وتحسين بيئة العمل. كذلك، دعا المواطنون إلى تنظيم حملات توعوية تشرح أهمية الحفاظ على النظافة العامة، وتفعيل دور المبادرات التطوعية بشكل منظم وتحت إشراف مباشر من المجالس المحلية، بما يضمن استدامتها واستثمار جهود المجتمع بالشكل الأمثل.
النظافة… بوابة لإعادة بناء الثقة
تجاوزت أزمة القمامة في درعا حدود الجانب الخدمي، لتصبح أزمة ثقة متفاقمة بين المواطن والبلديات. ورغم أن المجالس المحلية تعترف بضعف الإمكانيات، فإن غياب استراتيجية مركزية واضحة، وعدم تأمين التمويل المستدام، يزيد من تعقيد الأزمة، ويترك المواطن في مواجهة يومية مع خطر بيئي متصاعد.