بعد سنوات طويلة من النزوح واللجوء داخل المخيمات أو عند الأقارب، عاد سكان بلدة كفرنبودة في ريف حماة الشمالي إلى ديارهم التي وجدوها مدمرة بشكل شبه كامل، ليواجهوا تحديًا جديدًا يتمثل في البحث عن مأوى بديل أو إعادة ترميم ما يمكن ترميمه من المنازل.
ويتطلب موضوع إعادة الإعمار تكلفة مالية باهظة لا تتوافر لديهم، مما اضطرهم إلى اتخاذ قرار صعب: بيع أراضيهم الزراعية لتأمين متطلبات الإعمار.
منازل مهدمة على الأرض
وقال أحمد الفارس، أحد أبناء البلدة، إن له ولإخوته 8 دونمات من الأرض، مشيرًا إلى أنه بصدد بيع نصيبه البالغ دونمين منها لتمويل إعادة بناء منزله الذي دُمّر بالكامل بسبب قصف قوات النظام السابق.
وأضاف في حديث لمنصة سوريا ٢٤: “عندما عدنا إلى البلدة وجدنا منازلنا مهدمة على الأرض، ومضطرون رغماً عنا إلى بيع بعض الدونمات لتأمين المأوى اللازم لي ولأسرتي، الأمر صعب جدًا، لكن لا خيار أمامنا”.
وأكد الفارس أن غالبية العائدين يتجهون نحو بيع أراضيهم رغم التعلّق بها، مشبهًا إياها بالروح، لكن الحاجة الملحة للسكن أجبرتهم على اتخاذ هذه الخطوة. وأشار إلى أن نسبة السكن الصالح للعيش لا تتعدى 7%، وأن الخدمات المحلية في البلدة شحيحة للغاية، داعيًا المنظمات الإنسانية والمجتمع الدولي إلى الاستجابة لنداءات الاستغاثة المتكررة لأهالي البلدة.
الأهالي يواجهون واقعًا مأساويًا
بدوره، قال محمود الشيخ، مزارع من البلدة، إن الأهالي يعودون تدريجيًا إلى كفرنبودة، لكنهم يواجهون واقعًا مأساويًا مع وجود نسبة دمار تقدَّر بـ90%.
وأكد في حديث لمنصة سوريا ٢٤ أن الكثير منهم مضطرون إلى بيع أراضيهم لتأمين المأوى، وهناك حالات تضطر إلى نصب الخيام بسبب عدم توفر أي سكن أو إمكانية مادية لإعادة بناء المنازل.
وأوضح الشيخ: “هذا هو واقعنا وهذه هي حياتنا… نحن نبيع أرضنا لنعيش، ونترك ما كنا نعتاش منه لنؤمن لنا سقفًا نأوي إليه”.
90% من المنازل لا تصلح للسكن
أما عبد الباسط يوسف، صاحب مكتب عقاري في البلدة، فأكد أن عمليات بيع الأراضي في كفرنبودة تضاعفت منذ نحو عام، خاصة بعد تحرير المنطقة.
وقال في حديث لمنصة سوريا ٢٤: “منذ التحرير، بدأت الناس ببيع أراضيها بشكل غير مسبوق”، مشيرًا إلى أن “المنازل مدمرة، ولا يوجد موسم زراعي يوفر دخلًا، فتلجأ الناس إلى بيع الأراضي لترميم ما يمكن ترميمه من البيوت”.
وأضاف أن “90% من المنازل لا تصلح للسكن أو حتى الترميم”، مؤكدًا أن هناك إقبالًا كبيرًا على البيع، إذ “خلال ثلاثة أيام فقط، كانت هناك 16 حالة تريد بيع أرضها لتأمين اللازم لإعادة الإعمار”. وشدد على أن “المواطن يبيع وهو مجبر على ذلك، وليس طمعًا أو استثمارًا”.
واقع مرير ونقص في الخدمات
وتتزامن هذه التحركات مع عودة مئات العائلات إلى كفرنبودة بعد سنوات قضوها في مخيمات النزوح أو في أماكن مختلفة، حيث يأمل هؤلاء في استعادة حياتهم الطبيعية، لكن الواقع المرير يضعهم أمام خيار واحد: التخلي عن مصدر دخلهم الوحيد، أو ترك الأرض التي تشربوا من ترابها، مقابل الحصول على سقف يقيهم البرد والشتاء.
ولا تزال البلدة تعاني من نقص حاد في الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه والصرف الصحي، فضلًا عن غياب المرافق الصحية والتعليمية، ما يجعل عودة الحياة إليها أمرًا في غاية التعقيد.
في ظل هذا الوضع الإنساني الصعب، وجّه السكان نداء استغاثة عاجلًا إلى المنظمات الإنسانية والجهات المعنية المحلية والدولية، للتحرك الفوري وتوفير الدعم اللازم لإعادة تأهيل البنية التحتية، ودعم العائدين بإسكان مؤقت أو دائم، قبل أن تتحول كفرنبودة إلى منطقة “مزادات عقارية” يفقد فيها الناس كل شيء.