حجيرة: منطقة منكوبة تنهض من بين الركام على أيدي أبنائها

Facebook
WhatsApp
Telegram

رغم سنوات التهميش والحصار والقصف والتدمير الممنهج، تنهض بلدة حجيرة الواقعة في ريف دمشق شيئًا فشيئًا، بدافع من أبنائها المتمسكين بالحياة، ممن قرروا ألا ينتظروا مساعدات خارجية قد لا تأتي، بل أطلقوا مبادرات تطوعية محلية لإعادة إعمار بلدتهم من الصفر، رغم تواضع الإمكانيات.

مخلّفات حرب وأزمات متراكمة

عقب تحرير المنطقة بعد سقوط نظام الأسد، لم تشهد حجيرة أي مشاريع خدمية حقيقية تُذكر، في ظل انعدام البنية التحتية، وانتشار الركام والنفايات، وغياب الصيانة عن المدارس والمياه وشبكات الصرف الصحي.

يقول أحمد الطحان، مؤسس فريق “أبناء الجولان التطوعي”، في تصريح خاص لـ”سوريا 24”: “منطقتنا تعرضت لقصف ممنهج خلال الحرب، والنتيجة كانت بنية مدمرة بشكل شبه كامل. البلديات لا تملك آليات ولا وقود، والقمامة باتت مشهدًا يوميًا في معظم أحياء البلدة. كما أن المياه شبه مقطوعة، والخزانات معطلة، والمدارس التي صمدت لم تعد صالحة للتعليم”.

تحدي المخدرات وغياب البدائل

إلى جانب الدمار، تواجه حجيرة أزمة اجتماعية خطيرة متمثلة في تفشي ظاهرة تعاطي المخدرات، التي وصفها الطحان بـ”الكارثة الحقيقية التي تهدد الجيل الناشئ”.

وأشار إلى أن البلدة باتت “بؤرة تعاطٍ وترويج”، مع غياب مراكز تأهيل أو برامج دعم نفسي أو توعية، ما دفع الفريق لإطلاق حملة “حجيرة خالية من المخدرات”، بالتعاون مع عدد من الجهات الأمنية المحلية، ووضع رقم خاص لاستقبال الشكاوى والمعلومات.

مبادرات تعليمية وطبية رغم شح الموارد

يقول حمزة حسن الكدع، أحد مؤسسي الفريق ومن أبناء الجولان، في حديثه لـ”سوريا 24”: “بعد خروجي من المعتقل عقب 11 عامًا، عدت إلى حجيرة ووجدت منطقتي على وشك الانهيار. تواصلت مع أحمد الطحان وقررنا تأسيس فريق أبناء الجولان التطوعي، وكانت أولى المهام هي توفير مساعدات طبية للمرضى غير القادرين على شراء أدويتهم أو إجراء الفحوصات اللازمة”.

أمّن الفريق جهازًا طبيًا لأحد مرضى القلب، وصورًا شعاعية محورية لمرضى عاجزين عن تحمّل تكاليفها. كما تم تأمين علاجات لحالات مزمنة مثل “القدم السكري”، وتقديم مساعدات عينية ومالية بسيطة لذوي الدخل المعدوم.

على الصعيد التعليمي، افتتح الفريق دورات مجانية لطلاب الشهادتين الإعدادية والثانوية، كما قام بترميم جزئي لمدرسة “جاسم محمد علي”، وتأمين 15 لوحًا دراسيًا للمعلمين. ويخطط الفريق حاليًا لتوسيع الدعم ليشمل توفير المياه للمدارس التي تفتقر حتى لأبسط مقومات الخدمة.

الجيل الجديد.. محور الاستثمار الحقيقي

من أهم إنجازات الفريق، بحسب الكدع، إطلاق دورات لحفظ القرآن الكريم في مسجد خالد بن الوليد، شارك فيها أكثر من 240 طفلًا وطفلة.

يقول: “هذا الجيل هو نواة المستقبل، ونريد أن نربيه على القيم، نمنحه العلم والدين، ونبعده عن الشارع والمخاطر”.

تم تخصيص أيام محددة للذكور وأيام أخرى للإناث، على أن تُمنح مكافآت مالية وعينية للمتميزين في نهاية الموسم، في محاولة لتحفيز الأطفال وربطهم بالمسجد والبيئة التعليمية.

فريق يتّسع بالأمل

لا يتجاوز عمر فريق “أبناء الجولان” الخمسة أشهر، لكنه بدأ يلفت الأنظار بفضل تزايد عدد أعضائه من معلمين ومتطوعين، تجمعهم رغبة صادقة في خدمة المجتمع.

يقول الكدع: “نحن نعمل بجهود فردية وتبرعات متواضعة، لكن لدينا إيمان بأننا قادرون على صناعة التغيير من الداخل”.

دعوات لإطلاق برامج تمكين مهني ونفسي

في ظل تفاقم البطالة بين شباب البلدة، دعا الطحان الجهات المعنية والمنظمات الأهلية إلى تنظيم دورات مهنية وتعليمية للشباب والنساء، معتبرًا أن غياب هذه البرامج “يدفع الكثيرين نحو سلوكيات مدمّرة كالترويج أو التعاطي أو الانخراط في أعمال خارجة عن القانون”.

بلدة تحتاج إلى إعادة نظر

بلدة حجيرة التي دُمّرت بيد الحرب، وتُركت فريسة للفقر والإهمال، تنهض اليوم ببطء على أكتاف أبنائها. لكن جهودهم وحدها لا تكفي، فحجيرة بحاجة إلى تدخلات حقيقية لإعادة تأهيل بنيتها التحتية، وترميم مدارسها، وتوفير المياه والنظافة والخدمات الأساسية.

مقالات ذات صلة