في خطوة تصدرت المشهد الدولي، وقّع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، مساء الإثنين، أمرًا تنفيذيًا يُنهي بموجبه الإطار القانوني للعقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا، في قرار يُعتبر تحولًا جذريًا في السياسة الأمريكية تجاه دمشق.
ويأتي هذا القرار بعد سنوات من العقوبات التي استهدفت النظام السوري السابق بسبب انتهاكات حقوق الإنسان ودعمه للإرهاب، بهدف دعم جهود إعادة الإعمار والتعافي الاقتصادي في سوريا.
تفاصيل القرار التنفيذي
الأمر التنفيذي، الذي يدخل حيز التنفيذ اعتبارًا من اليوم الثلاثاء 1 تموز/يوليو 2025، يُلغي إعلان حالة الطوارئ الوطنية بشأن سوريا الصادر عام 2004، إلى جانب خمسة أوامر تنفيذية أخرى شكّلت الأساس القانوني للعقوبات.
كما يوجّه القرار الوكالات الفيدرالية الأمريكية إلى مراجعة الإعفاءات وضوابط التصدير والقيود الأخرى المتعلقة بسوريا، مما يمهّد الطريق لتسهيل التبادل التجاري والمساعدات الإنسانية.
وأوضح بيان صادر عن البيت الأبيض أن “الرئيس ترمب ملتزم بدعم سوريا مستقرة وموحدة، تعيش في سلام مع نفسها وجيرانها، مع الحفاظ على المصالح الأمريكية الأساسية”. وأضاف البيان أن الإدارة الأمريكية تسعى إلى “إعادة الانخراط مع دمشق بشكل بنّاء”، مع التركيز على أولويات تشمل تطبيع العلاقات مع إسرائيل، مكافحة الإرهاب، ومنع عودة تنظيم داعش.
ثمار جهود الدبلوماسية السورية
وقال قتيبة إدلبي، مسؤول ملف الأمريكتين في وزارة الخارجية السورية، في حديث لمنصة سوريا ٢٤: “القرار جاء في المقام الأول نتيجة للجهود التي بذلتها الدبلوماسية السورية خلال الأشهر الستة الماضية، والتي قدّمت وجهًا جديدًا لسوريا أمام العالم، مختلفًا عن الصورة السابقة، وهو ما يدفع الولايات المتحدة إلى التعامل بشكل جاد وغير مسبوق مع الملف السوري والحكومة السورية”.
وأضاف إدلبي: “الإجراء المتخذ سيفتح الباب أمام إغلاق ملف العقوبات الأمريكية، إذ لم يقتصر الأمر على رفع برامج العقوبات التي صدرت بموجب أوامر تنفيذية فقط، بل طُلب من وزارات الخزانة والاقتصاد والخارجية الأمريكية مراجعة وبدء العمل على التصنيفات وبرامج العقوبات المتبقية، بما في ذلك قانون قيصر، وتصنيف سوريا كدولة داعمة للإرهاب، بالإضافة إلى تصنيف هيئة تحرير الشام والرئيس أحمد الشرع ووزير الداخلية ضمن قوائم الإرهاب”.
حدود القرار
ورغم إلغاء معظم برامج العقوبات، فإن العقوبات المفروضة على الرئيس السوري السابق بشار الأسد وعدد من المقربين منه، إلى جانب المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان أو أنشطة إرهابية أو تهريب الكبتاغون، ستبقى سارية. كما لم يشمل القرار تغيير تصنيف سوريا كدولة راعية للإرهاب، وهو تصنيف يعود إلى عام 1979. وأشار مسؤول أمريكي، طلب عدم الكشف عن هويته، إلى أن “هذا التصنيف ما زال قيد المراجعة”.
ترحيب سوري رسمي
في دمشق، رحّب وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، بالقرار الأمريكي، واصفًا إياه بأنه “قرار تاريخي من شأنه أن يفتح صفحة جديدة في علاقات سوريا الدولية”.
وقال الشيباني في تصريح عبر منصة “X”: “إلغاء الجزء الأكبر من برنامج العقوبات يمثل نقطة تحول مهمة من شأنها أن تسهم في دفع سوريا نحو مرحلة جديدة من الازدهار والاستقرار والانفتاح على المجتمع الدولي”.
تأثيرات اقتصادية محتملة
بدوره، رأى أيمن عبد النور، رئيس جمعية “سوريون مسيحيون من أجل السلام”، في حديث لمنصة سوريا ٢٤، “أن أبعاد هذا القرار وتأثيراته كبيرة جدًا على الاقتصاد السوري، فهو يفتح المجال لاستيراد معظم البضائع الأمريكية التي كانت ممنوعة من قبل، بل وحتى تلك التي كانت مسموحة لكنها كانت تواجه تعقيدات بيروقراطية كبيرة في وزارة الخزانة وغيرها من الجهات، وتتطلب وقتًا طويلًا للحصول على الموافقة”.
وأضاف عبد النور: “الأمر الأكثر أهمية هو أنه يفتح الباب أمام الشركات الأمريكية للاستثمار في جميع القطاعات في سوريا، بما يشمل نقل التكنولوجيا والتقنيات الحديثة، والتعاقد مع موظفين سوريين، وتحويل الأموال بسهولة أكبر. كل هذه الأمور إيجابية جدًا ويمكن أن يكون لها تأثير كبير على الاقتصاد السوري، شرط أن تواكبها تعديلات تشريعية داخلية”.
وأكد أن “تعديل القوانين والتشريعات السائدة في سوريا لخلق بيئة استثمارية جاذبة يتطلب وجود قوانين جديدة، بالإضافة إلى الاستفادة من خبرات وكفاءات موجودة فعليًا في مواقع صنع القرار الاقتصادي والمالي والمصرفي”.
خلفية القرار
يأتي القرار تتويجًا لإشارات أطلقها ترمب في 13 أيار/مايو الماضي، حين أعلن عزمه رفع العقوبات عقب لقائه بالرئيس السوري أحمد الشرع.
وأشارت مصادر في الإدارة الأمريكية إلى أن الحكومة السورية أحرزت تقدمًا ملموسًا في تعزيز الاستقرار الداخلي، إلى جانب وجود مصالح مشتركة بين واشنطن ودمشق في مواجهة تنظيم داعش والتهديدات الإرهابية الأخرى.
كما يشمل القرار توجيهًا لوزارة الخارجية الأمريكية بإعادة النظر في تصنيف هيئة تحرير الشام، في ضوء التغيرات الأخيرة في المشهد السوري.
آفاق مستقبلية
يُتوقع أن يُسهم القرار في تعزيز التفاعل التجاري الدولي مع سوريا، خاصة من قبل الشركات والأفراد الأمريكيين.
ووفقًا لكلام إدلبي، فإن “القرار سيفتح آفاقًا جديدة أمام التفاعل التجاري الدولي مع سوريا”.
ومع ذلك، يبقى نجاح هذه الخطوة مرهونًا بتعديلات تشريعية داخلية في سوريا لتهيئة بيئة استثمارية جاذبة، وفق ما أكده أيمن عبد النور.