في ظاهرة تثير القلق الاجتماعي، تنتشر حالات تسول الأطفال في مدينة دير الزور وريفها، ما يكشف عن تفاقم الأزمة الإنسانية وتأثيرها المباشر على الفئات الأكثر هشاشة.
الطفولة تُسرق في وضح النهار
يُجمع أهالي المنطقة، حسب مراسل منصة سوريا ٢٤ في دير الزور، على أن ظاهرة تسول الأطفال لم تعد مجرد حالات فردية، بل تحولت إلى ظاهرة جماعية مقلقة تُنذر بعواقب وخيمة على المجتمع بأسره.
فالطفل الذي يُدفع إلى الشارع يُنتزع من بيئته الطبيعية، ويُحرم من التعليم، ومن حياة كريمة تكفل له حق اللعب والنمو الآمن.
وفيما يُفترض أن يكون للمدرسة دورها في بناء هذا الجيل، أصبح الشارع مدرسة قاسية تُعلمه القسوة والانحراف.
شهادات من الميدان
شروق المحمد، إحدى نساء ريف دير الزور، تؤكد في حديث لمنصة سوريا ٢٤ أن “بقاء الأطفال في الشارع لا يُعرضهم فقط للأمراض والحوادث، بل يجعلهم عرضة لسلوكيات خطيرة يصعب التخلص منها لاحقاً”.
وتضيف أن غياب الجهات الرقابية، وانعدام المبادرات المجتمعية الفاعلة، يزيدان من تفاقم المشكلة.
من جانبه، يروي جميل الجاعد المشهد المؤلم الذي يراه يومياً في شوارع المدينة:
“يتنقل الأطفال بين المارة، بوجوه شاحبة وملابس مهترئة، يعرضون سلعاً بسيطة أو يطلبون المال مباشرة، مما يُثير الحزن والأسى. أين ذووهم؟ وأين المؤسسات المسؤولة عنهم؟”.
ويتابع في حديث لمنصة سوريا ٢٤: “نخجل من هذا الواقع. من حق هؤلاء الأطفال أن يعيشوا في بيئة تحترم طفولتهم، لا أن يُتركوا فريسة للشارع والضياع”.
خطة استجابة من الداخل
وقالت إيناس محمد، من إدارة مكتب حماية الطفل بريف دير الزور – خط الجزيرة، في حديث لمنصة سوريا ٢٤: “ما نراه اليوم في الشوارع هو جرس إنذار يجب أن نسمعه جميعاً. لحماية هؤلاء الأطفال، لا يكفي أن نتعاطف؛ نحن بحاجة إلى خطوات عملية ومتكاملة على عدة مستويات”.
وحددت إيناس أبرز الخطوات المقترحة للحد من ظاهرة التسول كما يلي:
• إطلاق برامج دعم مباشر للأسر الأشد فقراً، وربط المساعدات بإعادة الأطفال إلى مقاعد الدراسة.
• إنشاء مراكز رعاية نهارية تستقبل الأطفال وتوفر لهم التعليم والرعاية الأساسية بدلاً من الشارع.
• تنفيذ حملات توعية مجتمعية تشارك فيها المدارس والمساجد والوجهاء المحليون، للحد من تطبيع هذه الظاهرة.
• متابعة قانونية للأشخاص الذين يستغلون الأطفال في التسول تحت أي ذريعة كانت.
• تفعيل فرق الاستجابة المجتمعية لرصد الحالات وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي لها فوراً.
وختمت بقولها: “إذا لم نتحرك الآن، سنخسر جيلاً كاملاً، وسنُسأل أمام الله والتاريخ”.
دعوات للإنقاذ
الواقع المؤلم دفع عدداً من الأهالي إلى رفع الصوت للمطالبة بتحرك عاجل.
عمر الأحمد، أحد سكان الريف، يقول في حديث لمنصة سوريا ٢٤: “التسول بات مشهداً يومياً في دير الزور، الأطفال يتجولون بملامح حزينة وأجساد هزيلة، يحملون علب الحلوى أو حتى علب السجائر، يطلبون القليل ليعيشوا”.
واختتم الأحمد حديثه، مناشداً المؤسسات الإنسانية والرسمية: “نطالب بتدخل سريع من الجهات المعنية ومؤسسات حماية الطفل، لوضع حلول حقيقية لهذه الظاهرة، وتأمين مستقبل آمن لهؤلاء الأطفال الأبرياء”.
أزمة تستدعي تحركاً جماعياً
ما يجري في شوارع دير الزور ليس تفصيلاً عابراً، بل إنذار يتطلب تحركاً عاجلاً من الجهات الحكومية والمنظمات الإنسانية على حدّ سواء. فالتسول لم يعد مجرد طلب للمال، بل صرخة استغاثة من جيل ضائع يُفترض أن يكون أمل الغد، لا ضحيته.