التحول الأمريكي تجاه سوريا: قراءة في إعادة تقييم المواقف والتصنيفات

Facebook
WhatsApp
Telegram
الموقف الأمريكي تجاه سوريا

أعلنت الخارجية الأمريكية أن واشنطن تدرس اتخاذ خطوات إضافية لمراجعة تصنيفات الإرهاب المحلية والدولية المتعلقة بسوريا، في خطوة تُعد مؤشرا على تغيير محتمل في الموقف الأمريكي تجاه سوريا الجديدة وإدارتها، بعد سقوط نظام الأسد السابق.

وفي تصريحات لوزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو خلال محادثاته مع نظيره السوري أسعد حسن الشيباني، أكد روبيو أن “الإدارة الأمريكية ستنظر في اتخاذ المزيد من الخطوات لاستعراض التسميات الإرهابية المحلية والأمم المتحدة المتعلقة بسوريا”.

وأضاف أن “العقوبات ستظل مفروضة على الجهات الخبيثة، بما في ذلك بشار الأسد ومعاونيه وغيرهم ممن يهددون الأمن السوري والدولي”، معربا عن أمله في أن “تشكل هذه الخطوات بداية فصل جديد للشعب السوري والعلاقات الأمريكية السورية”.

دلالات القرار الأمريكي

يرى الباحث في مركز جسور للدراسات، محمد سليمان، أن “واشنطن تسعى حاليا لإعادة ترتيب ملفاتها، وخصوصا أنها بعد سقوط نظام الأسد أصبح لديها أولوية تجاه دعم استقرار سوريا، وهذه الأولوية في حل الانتهاء منها ستساعدها مستقبلا في إدارة باقي الملفات”.

وأضاف في حديث لمنصة سوريا ٢٤، أن “مراجعة تصنيفات الإرهاب هي أحد خطوات الاستقرار، وخصوصا بعد الضمانات والتطمينات التي قدمتها السلطة الجديدة في سوريا من خلال العديد من الرسائل التي أوصلتها للمجتمع الدولي بأنها سلطة تسعى لاستقرار سوريا داخليا وعدم التدخل والانجرار في الصراعات التي تحدث خارجيا”.

وأشار سليمان إلى أن “هناك تغيير حقيقي في الموقف الأمريكي تجاه سوريا، وخصوصا أن السلطة الجديدة تتمتع بشبكة علاقات جيدة مع تركيا وأذربيجان ودول الخليج، وهذا ما ساهم في تحسين صورتها أمام المجتمع الغربي (أوروبا وأمريكا)”. وأكد أن “رفع العقوبات سيطمئن جميع الدول المترددة في التعاطي مع السلطة الجديدة، وخصوصا أننا شاهدنا عديد من الدول العربية والأجنبية لم تقم بزيارة ولم ترسل أي وفد للعهد الجديد من بعد التحرير”.

وأوضح أن “بقاء العقوبات الأمريكية يُعد تحذيرا من عدم التعاطي مع الدولة المعاقبة، وعليه فإن رفع العقوبات يعتبر بالنسبة للكثير من الدول الضوء الأخضر الأمريكي للتعامل والانفتاح مع الدول التي تُرفع عنها العقوبات”.

وأضاف سليمان أن “إعادة النظر في التصنيف ورفع العقوبات هي مؤشرات على أن الموقف الأمريكي رأى نهجا حقيقيا في السلطة الجديدة يتمثل في دعم استقرار المنطقة ومكافحة التنظيمات الإرهابية ودعم عودة اللاجئين السوريين والانفتاح سياسيا وأمنيا واقتصاديا على بقية دول المنطقة المساهمة في إحياء خطوط التجارة العالمية مع المحافظة على التوازنات السياسية”.

وعلى الصعيد الأمني، لفت إلى أن السلطة الجديدة تسعى إلى “عدم السماح بمرور التنظيمات الإرهابية العابرة للحدود، إضافة إلى منع تهريب الأسلحة والمخدرات، وخصوصا أن سوريا ذات موقع جيوسياسي حساس”.

مصلحة تخدم كافة القوى الإقليمية

من جانبه، قال الباحث في مركز عمران للدراسات، محمد زكوان كوكة، إن “جهود رفع العقوبات عن سوريا، سواء القرارات بمراسيم جمهورية أو قوانين أو تلك التي تأتي من تصنيف سوريا في عهد الأسد المخلوع كدولة مارقة، تأتي في سياق حرص الولايات المتحدة على تحويل سوريا من بؤرة قلق لمحيطها الإقليمي إلى واحة استقرار في المنطقة”.

وتابع في حديث لمنصة سوريا ٢٤، أن “هذا الأمر يتسق مع الجهود التي بُذلت عقب حرب أكتوبر في غزة والتي ترمي لكف إيران إلى داخل جغرافيتها وحرمانها من أذرعها وعمقها الاستراتيجي السوري ومنع أي فرص لإعادة بناء علاقات لها مع الدولة الجديدة”.

ورأى كوكة أن “من مصلحة مختلف القوى الإقليمية ألا ينفجر الوضع الأمني في سوريا، ما يعني الدخول في دوامة عنف جديدة قد تمتد لسنوات”.

وأكد على أن “هذه الرؤية التي بدأت تتشكل عقب سقوط الأسد، دعمها أسلوب ترامب في إدارة ملفات السياسة الخارجية الأمريكية والذي يتجاوز الكثير من التعقيدات البيروقراطية ويفضل عقد صفقات سريعة ولكنها بنظره ذات جدوى وقيمة”.

ولفت إلى أن “رغم التحول الكبير في السياسة الأمريكية تجاه سوريا، إلا أن المحاذير والاشتراطات الأمريكية تطل من بين السطور، مثل ملف حقوق الإنسان وحقوق الأقليات، مكافحة الإرهاب وتنظيم داعش بالدرجة الأولى، بالإضافة إلى ملف تدمير ما تبقى من برنامج الأسلحة الكيميائية للأسد”.

واعتبر أن “قوى عدة كانت بانتظار الموقف الأمريكي حتى تبدأ بخطوات عملية لدعم الاستقرار في سوريا، وعلى رأس هذه الدول الأردن، بينما سعت السعودية وقطر بداية لرفع هذه العقوبات وكان لهما دور مهم في إقناع الرئيس ترامب بذلك”.

وأضاف أن “الأوروبيين لديهم قضية اللاجئين كدافع آخر يشجعهم على دعم خطوات الإدارة السورية في تثبيت أركان الدولة ورفع العقوبات والدخول في المنظومة الدولية بشكل سلس”.

تحولات أمريكية وإعادة رسم المشهد السوري

من جهة أخرى، يرى الباحث والمحلل السياسي الدكتور عرابي عرابي أن “التحولات الأمريكية الجديدة في سوريا تعكس لحظة مفصلية في إعادة رسم المشهد الأمني والسياسي في منطقة الجزيرة”.

وبيّن في حديث لمنصة سوريا ٢٤، أن “واشنطن تتجه تدريجيا نحو تقليص ارتباطها المباشر بقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، في ظل تقييمات استراتيجية ترى أن مشروعها لا يمكن أن يحقق استقرارا دائما، ولا يخدم المصالح الأمريكية في المدى القريب أو المتوسط أو البعيد، خصوصا مع عودة اللاعبين الإقليميين (تركيا والدول العربية كالسعودية) إلى ساحة التأثير”.

وذكر عرابي أن “هناك اتجاها أمريكيا لدعم السلطة المركزية الجديدة في دمشق، خاصة في ملفي سجون داعش ومخيمات الهول وروج، باعتبار أن الإدارة الجديدة تملك شرعية أوسع وفرصة لبسط سيطرة مؤسساتية متماسكة”.

وزاد بالقول: “إذا ثبت هذا التوجه، فهو ينذر بانحسار تدريجي لنفوذ قسد، ويمهد لتحول إدارة السجون والمخيمات إلى الدولة، ما قد يحد من خطر الانفلات الأمني المستقبلي ويعيد ضبط معادلة الصراع”.

تُعد الخطوات الأمريكية لمراجعة تصنيفات الإرهاب ورفع العقوبات عن سوريا مؤشرا على تحول استراتيجي في السياسة الأمريكية، يهدف إلى دعم استقرار سوريا وتعزيز العلاقات مع السلطة الجديدة.

مقالات ذات صلة