بعد سنوات من التهجير والمعارك التي طالت مدينة صوران شمالي حلب، بدأت ملامح الحياة تعود تدريجيًا إلى شوارع المدينة وأحيائها. وفي ظل التحديات الكبيرة، يعمل السكان والمجالس المحلية على إعادة بناء ما دمرته الحرب، وسط محاولات لتأمين أساسيات العيش من ماء وكهرباء وتعليم وصحة، وصولًا إلى تحسين الواقع الاقتصادي والمعيشي.
عمر جيجو، أحد سكان المدينة، يصف الحياة اليومية بأنها “جيدة جدًا”، مشيرًا إلى استقرار اجتماعي وأمني ملموس، وعودة تدريجية للخدمات. ويضيف أن الكهرباء باتت مستقرة وتعمل بشكل ممتاز، إلا أن المياه لا تزال غير كافية أحيانًا. أما قطاع التعليم، فقد شهد عودة قوية مع إعادة تأهيل المدارس بدعم من المنظمات، في حين تعمل المراكز الصحية ضمن حدود إمكانيات بسيطة ومحدودة.
ويرى جيجو أن الوضع الاقتصادي ما زال صعبًا، فالفرص المتاحة قليلة، ويعتمد معظم السكان إما على المساعدات أو على أعمال زراعية بسيطة. ورغم ذلك، يشير بإيجابية إلى إنشاء المدينة الصناعية، التي وفرت بعض فرص العمل وفتحت أفقًا جديدًا أمام الشباب.
وعند سؤاله عن عودة السكان، يؤكد جيجو أن عددًا كبيرًا من الأهالي قد عاد إلى المدينة، معتبرًا أن عودة الناس إلى الحياة الطبيعية تبعث الأمل، وتشجّع الجميع على الاستمرار والتغلّب على الصعوبات.
ويختم حديثه بالتأكيد على أن أهالي المدينة بحاجة ماسّة إلى دعم في قطاع المياه، إضافة إلى مركز صحي يعمل على مدار الساعة، ويضم منظومة إسعاف وقسمًا خاصًا بالتوليد. كما يشير إلى ضرورة خلق فرص عمل للشباب، وتوفير دعم نفسي للأطفال والنساء الذين عانوا من صدمات نفسية عميقة خلال فترة سيطرة التنظيمات المتطرفة.
صوران… والثورة السورية
شاركت صوران إعزاز بريف حلب الشمالي في الحراك السلمي ضد نظام الأسد منذ منتصف عام 2011، وخضعت لسيطرة قوى عسكرية متعددة، قبل أن يسيطر عليها تنظيم “داعش” في عام 2014، ثم استطاعت فصائل المعارضة طرده منها في عام 2016 خلال عملية عسكرية قادتها القوات التركية إلى جانب فصائل المعارضة ضد التنظيم. واستمر الوضع على حاله حتى سقوط نظام الأسد في 8 كانون الأول/ديسمبر الماضي، حيث كانت تخضع خدمياً لسلطة المجلس المحلي المدعوم من تركيا، وعسكريًا وأمنيًا لفصائل الجيش الوطني.
المجلس المحلي: مشاريع تنموية لتحسين الواقع الخدمي في المدينة
من جهته، أوضح رئيس المجلس المحلي في مدينة صوران، محمد وجيه طيفور، في إفادة خاصة لـ”سوريا 24″ أن المدينة شهدت خلال السنوات الأخيرة تنفيذ عدد كبير من المشاريع الخدمية والتنموية، خاصة بعد تحريرها من تنظيم داعش الذي ألحق بها دمارًا كبيرًا خلال فترة سيطرته.
في قطاع الصرف الصحي، تم تنفيذ مشاريع توسعة حيوية شملت الأحياء الشمالية والشرقية، إلى جانب إنشاء محطة معالجة بدعم من المنظمات، بهدف إعادة استخدام المياه في سقاية الأراضي الزراعية. أما في قطاع المياه، فقد تم توسيع الشبكة العامة، وإنشاء خزانات مرتفعة بديلة عن تلك التي دُمّرت بالزلزال، إضافة إلى تزويد عدد من الآبار بأنظمة طاقة شمسية.
استقرار نسبي للكهرباء وشحّ في المياه
وحول الكهرباء، أشار طيفور إلى أنها مستقرة نسبيًا، وتعمل على مدار الساعة في معظم الأحيان، بينما لا تزال المياه تعاني من شحّ شديد نتيجة الجفاف وانخفاض منسوب المياه الجوفية، حيث انخفضت بنسبة تقارب 70%. وقدّم المجلس مقترحًا لتركيب عدادات مياه مسبقة الدفع بهدف الحد من الهدر وضمان الاستدامة.
في مجال الطرق، تم تبليط معظم الشوارع الرئيسية والفرعية، ووصلت نسبة الطرق المعبدة إلى نحو 97%. كما أُنجز طريق دائري جنوبي بطول 4.5 كم لتحسين حركة النقل. كذلك جرى بناء مبانٍ خدمية، وصالة أنشطة مجتمعية، وتوسعة عدد من المدارس والمراكز الطبية.
الوضع الصحي مقلق
في القطاع الصحي، تعاني المدينة من نقص كبير في الإمكانيات، إذ توقّف الدعم عن المستوصف الشرقي، مما قلّص الخدمات الطبية، في حين يعمل المستوصف الغربي بدعم محدود من منظمة دولية. وقد خُصّصت قطعة أرض لإنشاء مشفى عام بسعة 100 سرير، وتم وضع الأساسات، لكن المشروع لا يزال متوقفًا بانتظار التمويل.
أما في قطاع التعليم، فقد تم ترميم وتأهيل معظم المدارس، وتعيين كادر تدريسي مؤهل. وأكد رئيس المجلس أن الهدف هو دعم المعلمين من أصحاب الشهادات، والحد من ظاهرة التوظيف عبر المحسوبيات والوكالات المؤقتة.
زراعيًا، تُعتبر صوران من المناطق الخصبة، وتنتج محاصيل مثل القمح، الشعير، العدس، الحمص، الخضروات، والأعشاب الطبية. لكن سنوات الجفاف أدت إلى تراجع كبير في الإنتاج. ويقترح رئيس المجلس جر مياه من نهر الفرات عبر قناة ري لتغطية النقص. كما أشار إلى أن الدعم المقدّم للفلاحين من المنظمات لا يزال محدودًا وغير منتظم، ما يُفقد الزراعة جدواها الاقتصادية.
وعن الوضع الأمني، يؤكد طيفور أن المدينة آمنة ومستقرة، ولا تُسجّل حوادث خطف أو انفلات أمني، بفضل التنسيق المستمر بين الشرطة المدنية والعسكرية.
فيما يخص المستقبل، يرى رئيس المجلس أن التحدي الأبرز حاليًا هو تأمين المياه، إلى جانب ضرورة دعم القطاع الصحي وإنشاء مشاريع تنموية توفّر فرص عمل. ويأمل في تفعيل المدينة الصناعية، وإنشاء كراج نقل يربط صوران بحلب وأعزاز وباقي المناطق، وتأسيس جمعيات فلاحية وحرفية تدير شؤون المهنيين والمزارعين على أسس مؤسسية.
ويختم طيفور بأن نجاح المدينة في تجاوز أزماتها يعتمد على دعم الجهات المانحة، والمضي في تنفيذ المشاريع الحيوية التي تضمن حياة كريمة ومستقرة لسكان صوران وريفها.