تحت شعار “العمل حق للجميع”، انطلقت فعاليات ملتقى فرص العمل للأشخاص ذوي الإعاقة في دمشق، الذي نظمته المنظمة الفنلندية للإغاثة (FCA) بالشراكة مع وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وبدعم من وزارة الخارجية الفنلندية، يومي 12 و13 تموز 2025. الحدث شكل منصة وطنية جامعة لتسليط الضوء على تجارب وجهود مؤسسات المجتمع المدني في تمكين هذه الفئة الهشة ودمجها مهنيًا واجتماعيًا.
ضمن هذا السياق، كانت مشاركة جمعية جذور للتنمية والدعم النفسي والاجتماعي إحدى المحطات الملهمة في الملتقى، من خلال عرضها لتجربة “كافيه سوسيت”، المشروع الفريد من نوعه في سوريا، والذي يُدار ويُخدم بالكامل من قبل شباب وشابات من ذوي متلازمة داون.
كافيه سوسيت.. تمكين قائم على الحب والعمل
يقع “كافيه سوسيت” في قلب حديقة تشرين بالعاصمة دمشق، وقد انطلق كمبادرة من جمعية جذور بهدف منح ذوي متلازمة داون فرصة عمل حقيقية داخل بيئة مهنية آمنة وداعمة، تُراعي احتياجاتهم النفسية والاجتماعية، وتُعزز من ثقتهم بأنفسهم.
وقالت رئيسة مجلس إدارة الجمعية خلال الملتقى:”التمكين لا يقتصر على تقديم فرصة عمل، بل يبدأ بإيماننا بقدراتهم ورغبتنا في أن يكونوا جزءًا فاعلًا من نسيج المجتمع. كافيه سوسيت ليس فقط مشروعًا، بل هو جسر بين القلوب”.
وعلى مدار يومَي السبت والأحد من الأسبوع الجاري عرضت الجمعية تجربة “سوسيت” كحالة نجاح ملموسة تؤكد أن الدمج المهني ليس خيارًا صعبًا أو ترفًا، بل ضرورة مجتمعية تُنتج أثرًا إيجابيًا متعدد المستويات.
نحو تعميم النموذج على المستوى الوطني
وفي مداخلة خاصة لـ بشار القاسم، المدير التنفيذي لجمعية جذور، قال:”وجودنا في هذا الملتقى يعبّر عن إيماننا العميق بأن لكل إنسان الحق في فرصة عادلة للعمل، بغض النظر عن الإعاقة أو الخصوصية الذهنية. مشروع كافيه سوسيت لم يكن تحديًا بسيطًا، بل تجربة ناضجة ومليئة بالتعلم، أبرزت مدى قدرة الشباب من ذوي متلازمة داون على الإبداع والالتزام حين تُمنح لهم المساحة الآمنة والدعم المناسب”.
وأكد القاسم أن الجمعية تعمل حاليًا على نقل التجربة إلى مناطق سورية أخرى، بالتعاون مع شركاء محليين ودوليين، بهدف تعميم مفهوم التمكين القائم على الدمج الفعلي لا الرمزي.
تجربة تُغير المفاهيم وتفتح آفاقًا جديدة
أظهرت تجارب عدة ، كما عُرضت في الملتقى، الأثر العميق الذي يتركه التمكين الحقيقي في حياة الأفراد والمجتمع على حد سواء. فالتفاعل اليومي بين العاملين من ذوي متلازمة داون والآخرين ساهم في كسر الصور النمطية حول الإعاقة الذهنية، وفتح بابًا لحوارات اجتماعية صحية حول حق العمل والكرامة.
ويُعد المشروع أيضًا نموذجًا لخلق فرص توظيف مستدامة تتوافق مع قدرات الأفراد، ضمن بيئة تراعي خصوصيتهم وتمنحهم الشعور بالانتماء والفخر.
“العمل حق للجميع”.. ليس شعارًا فقط
جاء الملتقى ليؤكد أن دمج الأشخاص ذوي الإعاقة في سوق العمل لا يمكن أن يتحقق بدون جهود تكاملية من مؤسسات الدولة والمجتمع المدني والقطاع الخاص. وقدمت جمعية جذور، من خلال مشاركتها، دليلًا حيًا على أن الإعاقة لا تُلغي الإمكانية، بل تُعيد تعريفها ضمن أطر إنسانية ومهنية جديدة.
ومع نهاية فعاليات الملتقى، حمل المشاركون رسائل أمل، وتجارب حيّة، وأفكارًا قابلة للتطبيق، أبرزها أن بناء مجتمعات دامجة يبدأ من الإيمان أولًا، ويترسخ بالفعل ثانيًا.