لم تكن حدائق مدينة دوما يومًا مجرد مساحات خضراء، بل شكّلت على الدوام متنفسًا رئيسيًا للعائلات الهاربة من ضيق المنازل وحرّ الصيف، وملاذًا آمنًا للأطفال للعب واللهو تحت ظل الأشجار. إلا أن هذه الصورة سرعان ما تراجعت خلال السنوات الأخيرة، بعدما باتت معظم الحدائق تعاني من الإهمال وافتقارها لأبسط مقومات النظافة والسلامة.
في جولة داخل حديقة الناعورة وسط المدينة، لا تخطئ العين مشاهد التردي: مقاعد خشبية مكسّرة ومتشققة، ألعاب أطفال صدئة ومتهالكة، أعشاب يابسة، ونفايات متناثرة على أطراف الممرات. أما الأشجار، فقد تُركت دون تقليم أو عناية، فيما باتت الأرصفة حُفرًا تعيق مرور الزوّار، وغابت أي لمسة جمالية كانت تميز المكان في السابق.
هذا التراجع لا يقتصر على دوما وحدها، بل يُعد انعكاسًا عامًا لواقع الحدائق العامة في معظم أحياء دمشق وريفها، التي شهدت سنوات طويلة من الإهمال تحت سلطة نظام بشار الأسد. فالمساحات التي كانت تجمع العائلات، وتُشكل ذاكرة مشتركة لسكان المدينة، أصبحت اليوم شاهدة على تدهور البنية التحتية، والفساد الإداري، وغياب أي رؤية تنموية واضحة تُعيد لهذه الأماكن دورها الحيوي.
تقول سامية دوماني، وهي أم لثلاثة أطفال من سكان دوما: “في السابق كنا ننتظر الصيف لنخرج إلى الحديقة ونترك الأطفال يلهون، أما اليوم فلا مكان نأمن فيه على أطفالنا، المراجيح مكسورة، والمكان أشبه بمكبّ نفايات، وهذا وضع الحدائق منذ عشر سنوات: إهمال وتكسير”.
لكن رغم هذا الواقع المؤلم، بدأت بعض المبادرات الشعبية والمدنية تحاول ترميم ما يمكن ترميمه. وفي هذا السياق، أطلقت منظمة “بنفسج” بالتنسيق مع المجلس المحلي في مدينة دوما مشروع “النقد مقابل العمل”، بهدف إعادة تأهيل أربع حدائق عامة في المدينة، هي: حديقة الناعورة، وحديقة البيئة، وحديقة تيسير طه، وحديقة الأنصار.
يقول “حكمت جهاد اليوسف”، مسؤول مشروع النقد مقابل العمل بمنطقة دوما في منظمة بنفسج، لمنصة سوريا 24: “يهدف المشروع إلى خلق فرص عمل لأهالي دوما وتحسين الواقع الخدمي في المدينة، وقد ركّزنا جهودنا على إعادة الحياة إلى هذه الحدائق، لأنها تمثل حاجة مجتمعية ملحة ومساحة ضرورية للراحة واللقاء بين الناس”.
وقد شارك في المشروع عدد من المتطوعين من أبناء المدينة، حيث جرى تنفيذ سلسلة من الأعمال شملت: مبادرات تشجير، وقلب التربة وتحسينها، صيانة السور الخارجي والأرصفة، طلاء الأسوار لإضفاء لمسة جمالية، تركيب إنارة جديدة ومقاعد مريحة، تنظيف شامل وإزالة الردميات، تركيب خزانات مياه لدورات المياه، وإصلاح ألعاب الأطفال وتأهيلها بالكامل.
يقول “جواد”، وهو أحد المشاركين في الحملة من أبناء المنطقة: “أردنا أن نعيد الأمل لأطفالنا، وأن نثبت لأنفسنا أننا قادرون على التغيير بأيدينا، ولو بالحد الأدنى من الإمكانيات”.
هذه المبادرات، رغم محدوديتها، تُعيد لحدائق دوما بعضًا من روحها، وتمنح الأهالي شعورًا بأن التغيير ممكن حين يُبادر الناس بأنفسهم. وبين غياب الدولة وحضور المجتمع، تبقى تلك المساحات الخضراء شاهدًا على معركة طويلة بين الإهمال والإصرار على الحياة.