رغم مرور أكثر من ثمانية أشهر على سقوط نظام الأسد في 8 كانون الأول/ ديسمبر، لا تزال قرية رسم عسان في ريف حلب الجنوبي تعيش كأنها لم تغادر سنوات الحرب.
شوارعها خالية، منازلها مهدّمة، وآبارها مطمورة. أما سكانها، فهم مشتتون بين تركيا وألمانيا وإدلب والمخيمات، ينتظرون عودة قد لا تأتي قريبًا.
قال حسن الجنيد، أحد أبناء القرية، لمنصة سوريا 24 إن “التهجير بدأ في العام 2012 حين لم تكن القرية قد تعرضت لأي دمار، لكن دخول مجموعات من الشبيحة، من بينهم عناصر من العساسنة والبكارة، فتح بابًا طويلًا على التدمير الممنهج”.
وأضاف: “كل شيء استُهدف، حتى المساجد. عدنا بعد التحرير فوجدنا القرية بلا حياة، لا ماء، لا كهرباء، لا أفران، لا صرف صحي. منازلنا صارت ركامًا، ولم نعد نملك حتى أمل العودة”.
بلغ عدد السكان قبل التهجير نحو 4000 نسمة، وفق شهادات الأهالي، بينما لا تزال نسبة العودة “صفرية”، نتيجة غياب الخدمات الأساسية وغياب أي خطة رسمية لإعادة الإعمار.
أما عبد السلام محمد، أحد المزارعين الذين حاولوا العودة إلى أراضيهم مؤخرًا، فأوضح أن التدمير لم يقتصر على البيوت، بل طال البنية الزراعية التي كانت تمثل شريان الحياة في القرية.
يقول لمنصة سوريا: “كنت أملك أراضي واسعة وفيها 8 آبار ارتوازية. اليوم لا شيء منها قابل للاستخدام. بعضها سُرق، والبعض الآخر تم طمره. الأشجار اقتُلعت أو احترقت. الأرض عطشى ومهجورة”.
ورغم تحرير القرية أمنيًا، إلا أن غياب أي تدخل خدمي حقيقي، يجعل من عودة الأهالي أمرًا غير ممكن في المدى المنظور، خصوصًا في ظل افتقار القرية إلى البنى التحتية، ومحدودية التدخل الإنساني حتى الآن.
رسم عسان.. والثورة السورية
تجدر الإشارة إلى أن رسم عسان تقع قرب جبل عزان، الذي كان يُعد قاعدة محصّنة للميليشيات الإيرانية قبل التحرير، ويُعتقد أن موقعها الجغرافي جعلها من أبرز ضحايا التدمير المنهجي والفراغ السكاني المتعمد خلال سنوات الحرب.
عُرفت قرية رسم عسان، الواقعة في الريف الجنوبي لمحافظة حلب، بموقفها المبكر من الحراك الشعبي السوري، حيث شارك العديد من أبنائها في المظاهرات السلمية منذ عام 2011، وارتبط اسمها في الذاكرة الثورية بموجة التظاهرات التي عمّت قرى جبل الحص والمنطقة المحاذية لجبل عزّان.
ومع تحوّل الثورة إلى عمل مسلح، كانت رسم عسان من أوائل القرى التي خرجت عن سيطرة النظام، مما جعلها عرضة لاستهداف مباشر وممنهج من قبل قوات النظام وميليشيات موالية له، لا سيما بسبب موقعها القريب من جبل عزّان الذي تحوّل لاحقًا إلى قاعدة عسكرية للحرس الثوري الإيراني.
وبين عامي 2012 و2015، شهدت القرية موجات قصف واعتقالات ممنهجة، تسببت في تهجير معظم سكانها، خصوصًا بعد اقتحامها من قبل ميليشيات محلية موالية للنظام، من أبرزها مجموعات من العساسنة والبكارة، حيث سُجّلت عمليات نهب وتخريب واعتداءات استهدفت البنية التحتية، وحتى الممتلكات العامة والدينية.