رغم تراجع وتيرة النزوح في شمال غرب سوريا وعودة كثير من العائلات إلى مناطقها الأصلية في ريف إدلب الجنوبي، فإن فئة من النازحين لا تزال عالقة في المخيمات المنسية، تواجه ظروفًا قاسية في ظل انقطاع الخدمات الأساسية، وغياب الجوار، وانعدام القدرة على العودة أو حتى الاستقرار في مكان آمن.
في مخيم صغير قرب بلدة قاح الحدودية، لم تعد الحياة كما كانت قبل عام، تقول غدير محمد، وهي نازحة من بلدة حاس في ريف إدلب الجنوبي وأم لأربعة أطفال: “صارت الوحدة والوحشة رفيقتي بعد ما رجعت معظم العوائل على بلداتهم. المخيم فاضي، وما عاد حدا بيدق بابي أو بسأل عني”. وتشير غدير إلى أن المنزل الذي تملكه في حاس غير صالح للسكن، بعد أن دُمر خلال القصف، ما جعل العودة حلمًا مؤجلًا.
ومع رحيل معظم العائلات، توقفت الخدمات التي كانت تؤمن أبسط مقومات الحياة، “ما عاد في لا بائع خبز يمر، ولا صهريج مي، حتى الخضرة ما بتوصل، وبعيدة السوق عني وما بقدر أترك أولادي لحالي”، تضيف غدير بأسى. تحاول اليوم الانتقال إلى مخيم آخر في منطقة كفر لوسين شمالًا، حيث توجد عائلات كثيرة، على أمل أن تجد شيئًا من الأمان الاجتماعي والخدمات المعيشية المفقودة.
نزوح داخل النزوح
وتعيش عشرات العائلات في أوضاع مشابهة، في مخيمات باتت شبه خالية، تعاني من غياب كامل للخدمات وانعدام الحركة التجارية. يقول أبو وسيم، نازح من بلدة كفرسجنة ويقيم في مخيم بجوار بلدة أطمة: “المخيم صار مثل المقبرة، كل الناس رجعت أو نقلت لمكان فيه حياة، وأنا ما عندي حدا أرجع لعنده ولا بيت آوي عليه”. ويضيف أن غلاء المواصلات وبعد المسافة عن السوق يجبره على المشي ساعات لجلب الخبز والماء، وهو أمر شبه مستحيل لمن هم مرضى أو كبار في السن.
يشير إلى أنه حاول التواصل مع بعض المنظمات لنقل خيمته إلى منطقة مأهولة، “بس ما حدا رد، والمنظمات ما عاد تمر على مخيمنا من شهور”.
غياب الاستجابة وتفاقم العزلة
تدهور الوضع الإنساني في هذه المخيمات، وانقطاع الخدمات وغياب الجوار الاجتماعي ضاعف من معاناة من تبقى من السكان. يقول الناشط الإغاثي خالد الأحمد من إحدى المنظمات المحلية: “مع عودة قسم من النازحين إلى بلداتهم، تم سحب جزء كبير من الدعم المخصص للمخيمات، دون دراسة واقع من تبقى فيها، ما خلق مناطق نزوح معزولة تمامًا”.
ويطالب الأحمد بإجراء تقييم عاجل لاحتياجات هذه العوائل وتقديم حلول بديلة، “إما بإعادة تفعيل الخدمات الأساسية أو تسهيل نقل هذه العوائل إلى مخيمات مأهولة”.
رحلة لم تنتهِ
في ظل غياب الأفق السياسي وغياب الحلول المستدامة، تستمر رحلة النزوح داخل النزوح. “كنت مفكرة إنو الانتقال من بيتي للمخيم هو النزوح، بس الظاهر لسا الطريق طويل”، تقول غدير، وهي ترتب بعض الأغراض القليلة استعدادًا لرحلة أخرى لا تعرف نهايتها، سوى أنها مجبرة على خوضها من جديد.