تشهد محافظة السويداء جنوبي سوريا، منذ يوم الأحد 13 تموز/يوليو 2025، تصعيدًا أمنيًا متسارعًا، حيث تجددت الاشتباكات مساء الثلاثاء بين فصائل محلية ومجموعات مسلحة، على الرغم من التفاهمات الأخيرة التي أعلنتها وزارة الداخلية السورية لتهدئة الأوضاع.
وبدأت الأحداث إثر اختطاف تاجر خضار على طريق دمشق-السويداء، مما أدى إلى عمليات خطف متبادلة، تصاعدت إلى مواجهات مسلحة استخدمت فيها أسلحة متوسطة وثقيلة، أسفرت عن سقوط ضحايا من المدنيين وقوات الأمن.
مستقبل مرهون بقدرة الدولة على فرض السيطرة
وقال الباحث في القانون الدولي، مجد عيون السود، في حديث لمنصة سوريا 24: “تُعَدّ بداية الأحداث في السويداء خلال الساعات الماضية عائدة إلى إشكالية وقعت في حي المقوّس، وامتدت إلى البراق والصورة ولبين، وكان طرفا النزاع من العشائر السنية والدروز، ويعود السبب الرئيسي إلى الاحتقان الموجود بين الطرفين، إضافةً إلى غياب مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية. وقد أسفرت هذه النزاعات عن العديد من القتلى والشهداء”.
وأضاف: “تبِعًا لذلك، تحرّكت قوات الجيش العربي السوري، حيث أعلن قائد الأمن الداخلي في محافظة السويداء، العميد أحمد الدالاتي، أن قوات وزارتي الداخلية والدفاع باشرت بالدخول إلى مركز مدينة السويداء سعيًا لحماية المدنيين واستعادة الأمن، وذلك بهدف قطع الطريق أمام المجموعات الخارجة عن القانون في المحافظة، وخاصة في أطرافها”.
واعتبر عيون السود أن “مستقبل محافظة السويداء مرهون بقدرة الدولة السورية على فرض سيطرتها المطلقة من خلال مؤسسات الدولة، وحماية المدنيين، ومتابعة إدارة المدينة مع العقلاء المؤمنين بالدولة السورية، وإن محافظة السويداء جزء لا يتجزأ ولن يتجزأ من أراضي الدولة السورية”.
تدخل الدولة السورية
أكدت وزارة الداخلية السورية، في بيان رسمي اطّلعت عليه منصة سوريا 24، أن قواتها، بالتعاون مع وحدات من وزارة الدفاع، تمكنت من طرد “المجموعات الخارجة عن القانون” من مركز مدينة السويداء، وتأمين المدنيين، وإعادة مظاهر الاستقرار.
وأشار البيان إلى عقد اجتماع ميداني بين قائد الأمن الداخلي في السويداء، العميد أحمد الدالاتي، ووجهاء المدينة، تم خلاله الاتفاق على تثبيت نقاط أمنية وسحب الآليات العسكرية من المدينة لتعزيز الهدوء.
لكن الوزارة لفتت إلى خرق التفاهمات من قبل “مجموعات مسلحة” استهدفت عناصر الشرطة والأمن، في محاولة لإرباك المشهد الأمني.
محاولة لاحتواء الفوضى
في محاولة لاحتواء الفوضى، أعلنت وزارتا الدفاع والداخلية السوريتان، صباح الإثنين، بدء عملية عسكرية وأمنية مشتركة لفرض الأمن في السويداء.
وأكد المتحدث باسم وزارة الدفاع، العقيد حسن عبد الغني، أن القوات المسلحة باتت على مشارف المدينة، وتنسق مع فصائل محلية من أبناء المحافظة، مشيرًا إلى أن الوضع العسكري “يتجه نحو السيطرة” رغم شدة الاشتباكات.
وأضاف أن القوات تستهدف “مجموعات خارجة عن القانون”، نافيًا أن تكون الدولة في حالة قتال مع أي طرف محلي، بل تسعى لحماية المدنيين.
من جانبه، أعلن قائد الأمن الداخلي في درعا، العميد شاهر جبر عمران، أن وحدات من قوى الأمن الداخلي تحركت من درعا باتجاه السويداء لدعم العملية، مؤكدًا أن “درعا والسويداء جزء لا يتجزأ من الوطن”، وداعيًا سكان المحافظة إلى التعاون مع قوات الدولة لفرض القانون وحماية المدنيين.
وفي تصريح للمتحدث باسم وزارة الداخلية، نور الدين البابا، أكد أن دخول القوات جاء بناءً على “مطلب شعبي” لإنهاء حالة الفلتان الأمني التي تشهدها المحافظة منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، مشيرًا إلى أن الأمور قد تُحسم خلال ساعات.
دوافع التدخل وأهدافه
يرى المحلل العسكري، العقيد أحمد حمادة، أن تدخل الدولة السورية في السويداء يأتي ضمن استراتيجية واضحة لفرض السيطرة الأمنية على كامل الأراضي السورية.
وأوضح، في حديث لمنصة سوريا 24، أن العملية تهدف إلى نزع السلاح غير الشرعي، والقضاء على الوجود الإيراني وخلايا تنظيم “داعش” النائمة، إضافة إلى مكافحة تهريب المخدرات الذي يُعتقد أنه يتم عبر المنطقة. وأشار إلى أن هذه الخطوة “لا رجعة عنها”، وتعكس تصميم الدولة على استعادة هيبتها.
التدخل الإسرائيلي
أضاف التدخل الإسرائيلي تعقيدًا للأزمة، حيث نفذت طائرات الاحتلال الإسرائيلي، فجر اليوم الأربعاء، غارات جوية استهدفت مناطق متفرقة في السويداء، منها منطقة الشقراوية ومحيط مطار الثعلة العسكري، واستهدفت غارات مماثلة يوم الثلاثاء رتلًا عسكريًا منسحبًا من السويداء، ومواقع في محيط مدينة إزرع بريف درعا، واقتصرت أضرارها على الخسائر المادية.
وأعلن الجيش الإسرائيلي أن الغارات استهدفت آليات عسكرية تابعة للحكومة السورية “بتوجيهات من المستوى السياسي”.
في المقابل، أدانت الخارجية السورية الغارات، معتبرة إياها محاولة لجر المنطقة إلى فوضى أمنية.
وأفادت القناة 12 الإسرائيلية، نقلًا عن مصدر أمريكي، أن واشنطن طلبت من إسرائيل وقف هجماتها على الجيش السوري، وأن إسرائيل وعدت بتعليق هجماتها اعتبارًا من مساء أمس الثلاثاء.
مواقف محلية ودولية
رحب شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز، يوسف جربوع، بجهود الدولة، مؤكدًا خلال لقائه مع قادة الأمن أن “أبناء السويداء مع دولتهم السورية، وانتماؤهم الوطني ثابت”، مطالبًا بحماية الجميع ومنع التعديات.
في المقابل، عارض الشيخ حكمت الهجري التدخل الحكومي، معتبرًا أنه يهدف إلى “إخضاع السويداء بالقوة”، وطالب بحماية دولية للدروز. كما أدانت دول عربية، مثل قطر والسعودية والأردن، الاعتداءات الإسرائيلية، مؤكدة أهمية سيادة سوريا.
واعتبر الكاتب والأكاديمي، فايز القنطار، في حديث لمنصة سوريا 24، أن الوضع يحتاج الآن إلى الحوار وبناء عقد اجتماعي، وتأسيس دولة حديثة تُخرج سوريا من وضعها الحالي، وليست هناك حاجة إلى العنف والقتل.
وأضاف: “كان هناك اتفاق في الأول من أيار بين جميع الفعاليات في السويداء، لكن هذا الاتفاق لم تلتزم به السلطة في دمشق، ما فسح المجال أمام مجموعات الخطف والقتل وقطع الطرق ونهب المسافرين”.
وتابع: “منذ شهر أيار، تنتظر المحافظة تفعيل كل مؤسسات الدولة، وخاصة المؤسسات الأمنية منها، لكن السلطة لم تفعل ذلك”.
وختم قائلًا: “أنا متشائم جدًا من هذا الوضع، وما يجري لا يزيد المشهد إلا تعقيدًا، ولا نعرف كيف يمكن الخروج من هذا المأزق. يجب الدعوة الفورية إلى وقف إطلاق النار، وسحب كل القوات التي دخلت إلى السويداء إلى أطرافها، وفتح حوار حقيقي مع الجميع، وليس فقط مع رجال الدين”.
الجهود الدبلوماسية
أكد المبعوث الأمريكي إلى سوريا، توماس باراك، عبر منصة X، انخراطه في مناقشات مع جميع الأطراف لتحقيق تهدئة، مشيرًا إلى أن الاشتباكات الأخيرة تثير القلق، وأن التحدي الأكبر هو التضليل وضعف التواصل. وتتركز استراتيجيته على التوصل إلى حل سلمي يشمل الدروز، والقبائل البدوية، والحكومة السورية، والقوات الإسرائيلية.
الوضع الإنساني
تشهد السويداء حركة نزوح للمدنيين جراء الأحداث، حيث يتم تأمين الأهالي إلى أماكن آمنة، مع توجّه الكثيرين إلى جرمانا في دمشق، بحسب مراسل منصة سوريا 24 في الجنوب السوري.
آفاق الحل
تتجه الأوضاع نحو نقطة تحول، مع تصميم الدولة السورية على فرض سيطرتها، مستفيدة من التنسيق مع فصائل محلية ودعم وجهاء دينيين.
وتشير تصريحات المسؤولين الأمنيين والعسكريين والمحليين إلى أن الهدف هو إعادة تفعيل مؤسسات الدولة، مع التركيز على نزع السلاح غير الشرعي وتأمين الحماية للمدنيين.
ومع ذلك، يظل التحدي الأكبر في تحقيق توافق شامل يشمل جميع الأطراف، خاصة مع استمرار رفض الشيخ حكمت الهجري وفصائل محلية أخرى للتدخل الحكومي.