نساء الأرض: أيادٍ خفية تبني الأمن الغذائي في ريف دير الزور

Facebook
WhatsApp
Telegram

خاص - سوريا 24

بين بزوغ الشمس ومغيبها، تعمل نساء ريف دير الزور الغربي بلا انقطاع، لا يمللن عناء الحقل، ولا يستسلمن لقسوة الظروف.

ففي خطوط الزراعة التي تشقها السواقي اليدوية، تتكرر كل صباح مشاهد صامتة لأمهات وشابات يعملن بصمت، لكن بجدارة، في زراعة الأرض وحصادها، مساهمات بشكل مباشر في تحقيق الأمن الغذائي.

ورغم غياب الإحصاءات الرسمية عن حجم مشاركة المرأة في القطاع الزراعي، فإن الواقع على الأرض يروي قصة أخرى، مختلفة تمامًا. فحضور النساء في الزراعة ليس شكليًا، بل هو عماد العملية الزراعية، من البذرة إلى الحصاد.

جهد يومي ومشقة مستمرة

جورية السلطان، مزارعة من ريف دير الزور، تروي في حديث لمنصة سوريا ٢٤ تجربتها الشخصية مع العمل الزراعي، التي بدأت منذ طفولتها: “تعلمت الزراعة من أمي وجدتي، لم يكن هناك طريق آخر. الأرض كانت رزقنا، ومصدر كرامتنا. لا أنسى فرحتي حين أرى أولى ثمار جهدي تنضج أمامي”.

وتضيف: “نواجه الكثير: شمسًا حارقة في الصيف، وبردًا قارسًا في الشتاء، وأحيانًا أمطارًا تغرق تعب الشهور، ومع ذلك نواصل. تعلمت الصبر والاعتماد على النفس. الأرض لا تخيب من يصدق معها”.

تحديات تلتف حول المرأة الزراعية

المرأة العاملة في الزراعة ليست ضحية تعب الجسد فقط، بل أيضًا ضحية واقع اجتماعي واقتصادي قاسٍ، يزيد من أعبائها دون أن ينصفها:

* تفاوت الأجور: غالبًا ما تحصل المرأة على أجر أقل من الرجل رغم أدائها العمل نفسه.
* انعدام الحماية الاجتماعية: غياب التأمين الصحي، وعدم وجود نظام تقاعد أو ضمانات مهنية.
* صعوبة الوصول إلى الموارد: من تمويل إلى تدريب زراعي، وحتى استخدام الآليات الحديثة.
* القيود الاجتماعية: في بعض المجتمعات، يُنظر إلى عمل المرأة في الزراعة كجزء من الواجب المنزلي، وليس كمهنة تستحق الاعتراف.

شراكة زوجية وتوزيع أدوار

بعيدًا عن التقسيم النمطي للعمل، تظهر شراكات نسائية تعيد تعريف التعاون الأسري داخل الحقول.

زكية السرحان، تعمل جنبًا إلى جنب مع زوجها في إحدى المزارع، تقول في حديث لمنصة سوريا ٢٤: “أنا أعمل على جمع المحاصيل، وزوجي يعتني بالري والآليات. لكلٍ منا دوره، نحن نكمل بعضنا. الزراعة علمتنا التفاهم والعمل بروح الفريق”.

وتشير زكية إلى أهمية التوازن بين العمل والعائلة: “نعمل لساعات طويلة، لكن نحاول الحفاظ على هذا التوازن. الأهم أننا نثق ببعضنا، وهذه الثقة تمكننا من تجاوز الظروف الصعبة”.

صوت المرأة في وجه الغياب الرسمي

ما تفتقده هؤلاء النساء ليس المهارة أو العزيمة، بل الدعم الحقيقي، سواء على مستوى الحقوق، أو الأجور، أو الاعتراف بدورهن في الاقتصاد الوطني. فالقطاع الزراعي بدون المرأة سيظل ناقصًا، بل ومهتز البنية.

ورغم الفجوات والتحديات، تثبت نساء ريف دير الزور أنهن قادرات على الصمود والإنتاج حتى في أقسى الظروف. فهن لا يزرعن البذور فحسب، بل يزرعن الأمل، ويسهمن في بناء استقرار غذائي قد يشكل الحصن الأخير أمام انهيار اقتصادي محتمل.

وفي ظل قلة الفرص وغياب المساواة، تبقى المرأة في القطاع الزراعي عنصرًا لا غنى عنه، ليس فقط في الإنتاج، بل في حماية المجتمعات الريفية، لتؤكد أن يدًا نسائية تبني بصمت، لكن بصوتها تحيي الأرض.

مقالات ذات صلة