تشهد مدينة الرقة وريفها تفشي ظاهرة جمع علب البلاستيك من قبل الأطفال والرجال من مكبّات النفايات وعلب المشروبات الغازية، بهدف بيعها وتأمين الحد الأدنى من متطلبات الحياة. هذه الظاهرة تعكس بوضوح عمق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها المنطقة، في ظل غياب حلول شاملة ومستدامة.
قصص من واقع الألم
في حديثه لمنصة “سوريا 24″، يروي عبد الله العويد، وهو والد لطفلين يعملان في جمع البلاستيك، معاناته قائلاً: “الدخل لم يعد كافيًا. لولا هذا العمل، لما استطعنا شراء الخبز أو الخضار وتلبية احتياجاتنا اليومية.”
أما محمد الخلف، رجل خمسيني فقد مصدر رزقه منذ سنوات، فيقول لـ”سوريا 24″: “أحتاج لأي دخل يعينني على الحياة. أبدأ يومي في ساعات الفجر، وأتجه إلى حاويات القمامة، خاصة القريبة من المطاعم والمقاهي، لأجمع علب المشروبات الغازية الفارغة وبيعها في سوق الخردة.”
ويضيف: “سعر الكيلوغرام الواحد من تلك العلب يبلغ حوالي 15 ألف ليرة سورية، أي ما يعادل دولارًا ونصف تقريبًا. أشعر بالسعادة عندما أنجح في جمع ثلاثة كيلوغرامات، رغم أن الكثيرين يسبقونني إليها.”
الطفولة المهدورة
من أكثر المتضررين من هذا الواقع القاسي هم الأطفال، الذين تتراوح أعمارهم بين 7 و15 عامًا، حيث يقضون ساعات طويلة يوميًا في البحث وسط النفايات عن المواد القابلة للبيع، محرومين من التعليم وأبسط حقوقهم الأساسية.
مريم العلي، نازحة من ريف دير الزور ومقيمة في مخيم سهلة البنات شمال الرقة، تحدثت لـ”سوريا 24″ قائلة: “أطفالي لم يلتحقوا بالمدرسة بسبب الحاجة للعمل. نحن لا نفكر بالمستقبل، كل همّنا هو أن نعيش يومًا بيوم.”
جهود محدودة من المنظمات
سارة العبد، وهي عاملة في إحدى المنظمات الإنسانية في مدينة الرقة، أوضحت في تصريحها لـ”سوريا 24″: “الوضع الاقتصادي المتدهور هو السبب الجذري لهذه الظاهرة. نحتاج إلى تدخل حكومي فعلي، ودعم مجتمعي حقيقي لتقديم بدائل واقعية للأسر المحتاجة.”
وفي السياق ذاته، قال مصدر في منظمة محلية غير حكومية، فضّل عدم الكشف عن اسمه، لـ*”سوريا 24″*: “نقوم بتنفيذ حملات توعية تستهدف الأسر حول مخاطر العمل في جمع النفايات، كما نحاول توفير فرص تعليمية وبرامج دعم اقتصادي، لكن إمكانياتنا تبقى محدودة جدًا مقارنة بحجم الحاجة.”
أعباء صحية متفاقمة
لا تقتصر أضرار العمل في جمع البلاستيك على الجانب الاقتصادي أو الاجتماعي، بل تمتد لتشمل المخاطر الصحية الجسيمة.
الطبيب محمد العلي صرّح لـ”سوريا 24″ محذرًا: “الأشخاص الذين يعملون في جمع النفايات معرضون للإصابة بأمراض جلدية وتنفسية، نتيجة التعرّض المباشر للمواد الكيميائية والبيئة غير النظيفة. هذه الممارسات تشكل تهديدًا حقيقيًا على صحتهم، خصوصًا في غياب أدوات الوقاية والتوعية الصحية.”
طريق الخلاص يبدأ بالبدائل
مصطفى الغسان، أحد شباب الرقة الناشطين في الحملات التطوعية، أكد في حديثه لـ”سوريا 24″: “الحل يكمن في توفير بدائل عملية من خلال فرص عمل حقيقية، وتحسين التعليم، وإطلاق برامج دعم اقتصادي تُراعي أوضاع الأسر الفقيرة. يجب على المجتمع المدني والمنظمات الدولية أن تستثمر جهودها في دعم الفئات الأكثر تضررًا.”
الحاجة إلى تحرك شامل
ما يحدث في الرقة لا يمكن اعتباره مجرد ظاهرة عابرة، بل هو انعكاس لأزمة مركّبة تطال الأطفال، وكبار السن، والنساء على حدّ سواء. فمع استمرار غياب السياسات الداعمة والحلول الجذرية، تزداد معاناة السكان يومًا بعد يوم.
أهالي المدينة يرون أن إنهاء هذه المأساة يتطلب تدخلًا حقيقيًا يعيد للأطفال حقهم في التعليم والحماية، ويوفّر للكبار فرصة حياة كريمة، في بيئة إنسانية وصحية وآمنة.