السويداء من التوتر إلى التدويل: الأطراف المستفيدة وحدود الدعم الأمريكي

Facebook
WhatsApp
Telegram

خاص – سوريا 24

أثارت أزمة السويداء نقاشًا دوليًا وعربيًا حول مستقبل الحكومة السورية الجديدة وقدرتها على فرض الاستقرار بعد 14 عامًا من الحرب.

وجاءت تصريحات المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، توماس باراك، لتؤكد دعم واشنطن الواضح للحكومة السورية الحالية، مشددًا على أنه “لا توجد خطة بديلة” سوى التعاون مع السلطات الجديدة لتوحيد البلاد.

أزمة السويداء: جذور التوتر وتداعياته

شهدت محافظة السويداء، خلال الأسبوع الماضي، اشتباكات عنيفة بين فصائل درزية ومجموعات بدوية، أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى، مما أثار مخاوف من تصعيد يهدد الاستقرار الهش في المنطقة.

وفي هذا السياق، دعا المبعوث الأمريكي دمشق إلى ضبط النفس وتفادي استخدام القوة ضد المدنيين، رافضًا وجود تشكيلات عسكرية خارج سيطرة الدولة.

كما ساهمت الولايات المتحدة في رعاية اتفاق وقف إطلاق النار بين سوريا وإسرائيل، أُعلن في 19 تموز/يوليو، في محاولة لاحتواء التوترات.

وحسب المركز العربي لدراسات سورية المعاصرة، فإن الولايات المتحدة، رغم تفهمها لدوافع إسرائيل الأمنية، تسعى إلى منع تصعيد قد يفجر الوضع الإقليمي، إضافة إلى أن الإدارة الأمريكية تدعم نموذج “الاستقرار” من خلال حكومة مركزية مستعدة للتعاون الأمني، مما دفعها إلى التوسط بين دمشق وإسرائيل لضمان التهدئة.

موقف الحكومة السورية: اختبار الشرعية

تواجه الحكومة السورية الجديدة تحديًا كبيرًا في السويداء، التي تُعد مرآة لقدرتها على إدارة التنوع المجتمعي وفرض سيادة الدولة.

وبحسب المركز العربي، فإن استقرار المحافظة يتطلب خطوات سياسية جادة، تشمل دمج السويداء أمنيًا وإداريًا ضمن مؤسسات الدولة، وتعزيز تمثيل المكونات المحلية في مراكز القرار. ويؤكد المركز أن نجاح الحكومة في الانتقال من “ضبط السلاح” إلى “بناء الشرعية” سيكون المحك الحقيقي لقدرتها على إرساء حكم تشاركي عادل.

من المستفيد من الأزمة؟

تُظهر ديناميكيات الأزمة أن إسرائيل تظل الطرف الأكثر حرية في الحركة العسكرية، مدفوعة بهواجسها الأمنية، بينما تعمل الولايات المتحدة على تنظيم تفاهمات لإدارة التوترات. في المقابل، تسعى الدول العربية إلى دعم وحدة سوريا وسلامة أراضيها، مؤيدة اتفاق وقف إطلاق النار ومطالبة بمحاسبة المسؤولين عن التجاوزات.

أما تركيا وروسيا، فتتخذان موقفًا حذرًا يركز على تطويق الأزمة، بينما يقتصر دور الأوروبيين على تحليل التطورات.

وفي هذا الصدد، قال فاروق بلال، رئيس المجلس الأمريكي السوري في حديث لمنصة سوريا ٢٤، إن: “من الواضح جداً أن المستفيد الوحيد حالياً من هذه الأزمة هو بنيامين نتنياهو — أقول نتنياهو تحديداً، وليس إسرائيل كدولة — وذلك لأسباب أصبحت معروفة اليوم، وتشبه إلى حد كبير الأسباب التي تقف خلف استمرار حرب غزة”.

وتابع: “بالإضافة إلى ذلك، هناك من لديهم نفوس ضعيفة، ومن يحلمون بالانفصال عن الدولة السورية وتشكيل كانتونات خاصة بهم، وهم يستغلون هذه الأوضاع لتحقيق مآربهم. ولا يمكن تجاهل أن فلول النظام السابق ما زالت تستفيد من حالة عدم الاستقرار، وتعمل على استثمارها لمصلحتها”.

وزاد بالقول: “كما أن زعزعة الأمن في سوريا تخدم أيضاً الدول التي كانت تدعم تلك الفلول، وتمدها بفرصة لإعادة التموضع أو التأثير.

لذلك، أود أن أوجّه سؤالي — وهو سؤال في غاية الأهمية — إلى الحكومة السورية مباشرة: ما موقفكم من هذه التطورات؟ وما هي خطتكم لحماية السويداء ودرعا من الانزلاق نحو فوضى مخطط لها؟”.

أطراف أخرى تريد فرض واقع جديد

أما الناشط السياسي، رضوان الأطرش فرأى أن: “هناك أطرافًا ترى في هذه الأزمة فرصة لإعادة رسم المشهد السوري وفق معطيات جديدة، ويمكن تصنيف المستفيدين كالتالي: إسرائيل المستفيد الأكثر وضوحًا، إذ أن استمرار فوضى الجنوب السوري، وتفكك السلطة في السويداء، يعني إضعافًا لأي تواجد إيراني أو حزب الله جنوبًا، وأي حالة (لا دولة) على حدود الجولان المحتل، تُريح تل أبيب أمنيًا، دون أن تضطر للتدخل عسكريًا”.

ولفت في حديث لمنصة سوريا ٢٤، إلى أن المستفيد الآخر هو: “قوى داخلية درزية (بعضها مرتبط بالإقليم)، إذ برزت في السنوات الأخيرة نخب دينية ومحلية في السويداء تطالب بإدارة ذاتية، ترى أن اللحظة مناسبة لفرض واقع جديد، وهذه القوى تستثمر في رفض دمشق، وتسعى لنموذج محلي شبيه بتجربة قسد شمالًا، أو (الزعامات الدرزية) في لبنان من حيث النفوذ المحلي”.

تفاعل دولي وعربي: إدارة المشكلة أم الحل؟

أثارت أحداث السويداء تفاعلًا عربيًا ودوليًا كثيفًا، حيث سارعت معظم الدول العربية إلى تأييد عودة مؤسسات الدولة، مشددة على ضرورة ضمان عدم تكرار العنف. لكن المركز العربي يرى أن اتفاق وقف إطلاق النار ليس سوى محطة مؤقتة، ما لم يُتبع بخطوات سياسية تعزز الاستقرار طويل الأمد.

ويبقى السؤال: هل ستتمكن الحكومة السورية من استغلال هذه الفرصة لترسيخ سيادتها، أم ستظل الأزمة محكومة بتوازنات إقليمية ودولية هشة؟

وفي السياق، قال الكاتب والمحلل السياسي، حسن النيفي في حديث لمنصة سوريا ٢٤: “لا شك أن المستفيد الأول مما يجري في السويداء هي إسرائيل، إذ إن الأحداث الجارية أتاحت لها التدخل واستهداف الرموز السيادية لدمشق (مبنى الأركان ومحيط القصر الرئاسي) وذلك في سبيل سعيها الرامي إلى وضع يدها على الجنوب السوري لجعله منطقة منزوعة السلاح وتحويل سكانه وما فيه من مؤسسات الدولة إلى حرس حدود لإسرائيل، ولن نتحدث عن مشروع ممر داوود باعتباره بات هدفاً معلناً لإسرائيل”.

وفي ما يخص تعليقات المبعوث الأمريكي بخصوص التطورات في السويداء، رأى النيفي أن: “هذا الموقف الإيجابي من جانب واشنطن من شأنه أن يمنح حكومة دمشق مزيداً من الطمأنينة، ولكنه في الوقت ذاته يجعلها أكثر شعوراً بالمسؤولية، إذ إن تصريحات باراك تشير – بطريقة غير مباشرة – إلى ضرورة أن تبادر الحكومة السورية إلى حل المشكلات الراهنة بدون تردد وبمزيد من الشفافية والمساءلة”.

مستقبل السويداء وتحديات الدولة السورية

يبدو أن السويداء ليست مجرد محطة محلية، بل اختبار لقدرة الحكومة السورية الجديدة على بناء نموذج حكم يتجاوز إرث الصراع.

ومع استمرار التدخلات الخارجية والتوازنات الإقليمية، يتوقف نجاح دمشق على قدرتها على الاستجابة للمطالب المجتمعية، وتحقيق سيادة كاملة، وإرساء عدالة متوازنة تحظى بتأييد المجتمع الدولي.

مقالات ذات صلة