على الحزام الشمالي لمدينة القامشلي، وتحت خيمة بسيطة تقيه وزوجته حرارة الشمس، يشعل يوسف، الشاب الثلاثيني القادم من بلدة تل براك شمال الحسكة، تنوره الطيني صباح كل يوم ليبدأ رحلته اليومية في صناعة وبيع خبز التنور، مصدر رزقه الوحيد.
من مهنة البناء إلى صناعة الخبز
يوسف استقر في القامشلي بحثًا عن عمل وحياة أكثر استقرارًا. كان يعمل سابقًا في مجال البناء والصيانة، لكن تقلص فرص العمل دفعه للتفكير بمصدر دخل بديل يعيل به أسرته. يقول لمنصة سوريا ٢٤: “عندما قلّ العمل في مهنتي، قررت أن أبدأ بمشروع صغير يساعدني على تأمين قوت يومي”.
بإمكانات بسيطة ومساندة كبيرة من زوجته، انطلق بمشروعه الخاص، فبنى تنورًا طينيًا بيديه، وأقام خيمة إلى جانبه ليبدأ بصناعة الخبز وبيعه للمارة على أحد الطرق الرئيسية في المدينة.
خطوات العمل اليومية
في كل صباح، تبدأ الزوجة بتحضير العجين في المنزل قبل التوجه إلى موقع التنور بساعتين. وعند الوصول، يباشران تقطيع العجين إلى كرات متساوية بوزن يقارب 200 غرام للرغيف الواحد، ثم يبدآن الخَبز والبيع مباشرة.
يُباع الرغيف بسعر 3000 ليرة سورية، لكن يوسف يحرص على مراعاة الأوضاع المعيشية الصعبة لبعض الزبائن، فيخفض السعر أحيانًا حسب الحاجة. “أنا مقتنع برزقي، وأتمنى أن أتمكن دائمًا من تلبية احتياجات أسرتي بكرامة”، يوضح بثقة.
تحديات في طريق الاستمرار
يعاني يوسف من صعوبة تأمين الطحين بسبب ارتفاع سعره، إذ يبلغ سعر الكيس الواحد نحو 20 دولارًا، ما يشكل عبئًا كبيرًا على المشروع الذي يعتمد على موارد محدودة.
ورغم ذلك، لم يفكر يوسف في التراجع، بل يعتبر أن المشروع منح عائلته شعورًا بالاستقرار ووسيلة للاعتماد على الذات. “زوجتي هي سندي الأول، وهي تشاركني كل خطوة في هذا الطريق”، يقول بتقدير واضح.
نموذج للإصرار والعمل
قصة يوسف تمثل نموذجًا للشباب الذين لم ينتظروا المساعدة، بل صنعوا فرصهم بأيديهم رغم الظروف الصعبة. مشروعه الصغير لا يحمل فقط خبزًا ساخنًا للمارة، بل يحمل قصة كفاح حقيقية عنوانها الإرادة والتعاون الأسري.
يوسف يواصل يومه بين لهب التنور وهموم المعيشة، لكنه يجد في كل رغيف يبيعه خطوة نحو حياة أفضل.