رأى الصحفي السعودي ماجد المالكي أن ما جرى في العاصمة السورية دمشق خلال منتدى الاستثمار السوري – السعودي يُعد لحظة فارقة في مسار العلاقات بين البلدين، تتجاوز الطابع البروتوكولي نحو فضاء المصالح المتبادلة والشراكة الاقتصادية الحقيقية.
وأشار خلال حديثه لمنصة سوريا 24 إلى أن حجم الوفود، والجدية في الطرح، والمستوى العالي للمشاركين، تدل على أن عجلة التنفيذ بدأت بالدوران، وأن الانعكاسات ستكون متعددة، من تحفيز الأسواق وخلق بيئة جاذبة لرؤوس الأموال، إلى ترسيخ مرحلة جديدة من العلاقات قوامها التكامل لا التنافس، والشراكة لا المساعدات.
منتدى الاستثمار السعودي في سوريا: معجزة اقتصادية
من جهته، وصف المستشار الاقتصادي الأول لوزير الاقتصاد السوري، أسامة القاضي، المنتدى بأنه “معجزة اقتصادية”، مؤكدًا أن المملكة العربية السعودية تصنع التاريخ الاقتصادي لسوريا الجديدة، وتُعد أكبر داعم اقتصادي وأمني للشعب السوري.
واعتبر القاضي خلال حديثه لمنصة سوريا 24 أن ما حصل اليوم لا يُمثّل مجرد حدث سياسي أو استثماري، بل هو حجر أساس لبناء الثقة أمام المستثمرين الإقليميين والدوليين، وأن وجود المملكة ومستثمريها في سوريا سيخلق مناخًا من الاطمئنان الاقتصادي.
كما رأى أن المساحات الشاسعة المدمّرة في سوريا تشكل فرصة نادرة للمطورين العقاريين ومخططي المدن لإعادة بناء سوريا الحديثة وفق معايير عمرانية وبيئية تليق بسوريا 2025، خاصة أن ما يقارب نصف الأبنية السكنية كانت عشوائية قبل الحرب.
وأكد القاضي أن التوقيت بحد ذاته يحمل رسالة سياسية واضحة بأن سوريا تسير في اتجاه الاستقرار والانفتاح، وأن محاولات التهويل بـ«قانون قيصر» لم تعد منطقية بعد انتهاء النظام السابق، مشيرًا إلى أن السعودية قادرة، بالتعاون مع شركائها الدوليين، على تحييد أي تبعات لعقوبات سابقة، معتبرًا أن ما جرى اليوم هو رسالة قوية بأن سوريا قادرة على النهوض مجددًا.
مليارات الدولارات السعودية إلى السوق السورية
وكان قصر الشعب قد شهد، صباح اليوم الخميس، لحظة مفصلية في مسار العلاقات السورية – السعودية، مع انطلاق أول منتدى استثماري مشترك بين البلدين، بحضور الرئيس أحمد الشرع، ووزير الاستثمار السعودي خالد بن عبد العزيز الفالح، إلى جانب وفد سعودي رفيع يضم أكثر من 120 رجل أعمال يمثلون أكثر من 100 شركة و20 جهة حكومية.
في كلمته الافتتاحية، أكد الفالح أن المنتدى لا يقتصر على الإعلان عن نوايا، بل يشكّل بداية فعلية لمسار شراكة تنموية شاملة، مشيرًا إلى أن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أمر عاجلًا بتأسيس مجلس أعمال سعودي – سوري بعضوية من كبار رجال الأعمال، ليكون منصة فاعلة للتبادل التجاري والاستثماري.
الوزير السعودي أعلن عن اتفاقيات ومذكرات تفاهم ستُوقَّع ضمن المنتدى، بقيمة تقارب 24 مليار ريال سعودي، تشمل قطاعات إستراتيجية مثل الإسمنت، الاتصالات، التكنولوجيا، البنية التحتية، والقطاع السكني. وفي السياق ذاته، ستوقع مجموعة التداول السعودية اتفاقية شراكة مع سوق دمشق للأوراق المالية، فيما سيتم خلال المنتدى توقيع اتفاقيات لتأسيس 3 مصانع جديدة للإسمنت بقيمة تتجاوز 11 مليار ريال.
كما لفت الفالح إلى أن شركة “بيت الإباء” السعودية – المملوكة لعائلة سورية – ستطلق مشروعًا سكنيًا في مدينة حمص، ستُخصص عائداته لدعم التكافل الاجتماعي، إضافة إلى وجود أكثر من 2600 رائد أعمال سوري فاعل في السوق السعودي، سيكون لهم دور رئيسي في بناء اقتصاد سوري متجدد. كما أعلن عن نية مجموعة التداول السعودية، التي تدير أكبر سوق للأموال في الشرق الأوسط، توقيع اتفاقية شراكة مع سوق دمشق للأوراق المالية، إضافة إلى توجه المملكة لتطوير مشاريع مشتركة في المجال الزراعي، مع فتح المجال للمستثمرين السوريين لزيارة السعودية وتلقي الدعم الكامل في استكشاف الفرص.
الفالح شدد على الدور الكبير الذي يلعبه أكثر من 2600 رائد أعمال سوري في السوق السعودي، مؤكدًا أنهم سيكونون جزءًا فاعلًا في مستقبل الاقتصاد السوري.
توجيهات ولي العهد السعودي: سوريا هي المملكة العربية السعودية
وذهب بعض رجال الأعمال السعوديين خلال جلسة الحوار التي عُقدت على هامش المنتدى بعيدًا في العلاقة بين دمشق والرياض، حيث ذكر رئيس مجلس الأعمال السعودي السوري محمد بن عبد الله أن توجيه ولي العهد لرجال الأعمال السعوديين في العلاقة مع دمشق تكمن في أن سوريا هي المملكة العربية السعودية.
وقال إنّ “التشككات بشأن سوريا لا تعني شيئًا بالنسبة للسعوديين”، وأنّ هذه الاستثمارات والأرقام التي طُرحت خلال المؤتمر مجرد حزمة بسيطة في القادم، وأنّ المملكة ستقود تحالفات كبيرة مع الدول الأخرى للاستثمار في سوريا، وأنه لن يكون استثمارًا سعوديًا-سوريًا، إنما سيكون استثمارًا سعوديًا – عالميًا في سوريا.
من جانبه، عبّر وزير الاقتصاد والصناعة السوري نضال الشعار عن ترحيبه الكبير بوفد المملكة العربية السعودية، مشيرًا إلى أن زيارة الوفد برئاسة وزير الاستثمار خالد الفالح تأتي في وقت بالغ الأهمية بالنسبة لسوريا.
وأكد الشعار أن هذه الخطوة تعكس روح التعاون العربي الحقيقي، وتفتح المجال أمام مرحلة جديدة من الشراكة بين دمشق والرياض، خصوصًا في ظل توقيع عدد من الاتفاقيات المهمة بين البلدين.
وأضاف الوزير أن الحكومة السورية تنظر بتفاؤل كبير إلى ما تحمله هذه المرحلة من تفاهمات ثنائية، وتُعرب عن التزامها الكامل بدعم هذا المسار، وتقديم كل التسهيلات الممكنة لإنجاحه، بما يحقق المصالح الاقتصادية المشتركة ويخدم تطلعات الشعبين الشقيقين.
أبرز الاستثمارات السعودية: مدينة ثقافية وشبكات طرق ومدينة طبية
بدوره، أعلن المستشار تركي آل الشيخ، رئيس هيئة الترفيه السعودية، عبر معرفاته الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي، عن سلسلة استثمارات إستراتيجية في سوريا، منها مشروع مدينة ثقافية بقيمة 300 مليون دولار، ومدينة طبية متكاملة في ضاحية قدسيا بتكلفة 900 مليون دولار، ومدينة ترفيهية كبرى في منطقة العدوي بـ500 مليون دولار.
وضمن إطار النقل والبنية التحتية، تم الإعلان عن تنفيذ مشروع مترو يربط شرق دمشق بغربها، مع محطات تشمل مطاعم ومقاهي، بالإضافة إلى مشروع خط غاز من دير علي إلى العاصمة، وخط مياه محلاة من طرطوس، وخطوط كهرباء تغذّي دمشق من محطات الطاقة الشمسية.
المؤتمر يعيد سوريا إلى خارطة الأسواق الواعدة
وفي تعليقها على حجم الاستثمارات السعودية التي أُعلن عنها خلال منتدى الاستثمار السعودي-السوري، رأت الخبيرة الاقتصادية والوزيرة السابقة لمياء عاصي، خلال حديثها لمنصة سوريا 24، أن المنتدى رسالة إقليمية قوية تعيد وضع سوريا على خريطة الأسواق الواعدة، مشيرة إلى أن حجم الاستثمارات التي تم الإعلان عنها بلغ نحو 6.4 مليار دولار، موزعة على 12 قطاعًا حيويًا، من بينها الطاقة والنقل والاتصالات والمطارات، إلى جانب مشاريع عقارية وصناعية في عدرا ودمشق، ومشاريع زراعية وصناعات تحويلية.
لكنها في الوقت نفسه حذّرت من تحديات جدية، أبرزها هشاشة الوضع الأمني وغياب الانضباط بين بعض الفصائل المسلحة، إلى جانب ضعف البنية المصرفية وقلة الإيرادات العامة، ما قد يعقّد مسار تنفيذ بعض المشاريع، خاصة تلك الممولة جزئيًا بالقروض.
السوق السورية قادرة على امتصاص جميع الاستثمارات
وبدوره، قال الخبير الاقتصادي خالد تركاوي إن ما حصل يمثل تحولًا اقتصاديًا حقيقيًا، مشيرًا إلى أن الوفد الاستثماري السعودي تجاوز 500 مسجل، إلا أن الحاضرين اقتصروا على 120 رجل أعمال لأسباب لوجستية.
ولفت، خلال حديثه لمنصة سوريا 24، إلى أن القيمة الاقتصادية لهؤلاء المستثمرين ضخمة، إذ تُمثل شركاتهم أصولًا تتراوح ما بين 200 مليار وتريليون دولار، موضحًا أن الرقم الحقيقي للاستثمارات المفعّلة الآن يبلغ 120 مليون دولار، فيما تمثل باقي الأرقام تفاهمات أولية تلتزم بها المملكة عادة ضمن مراحل تمتد لثلاث أو أربع سنوات.
وشدد تركاوي على أن السوق السوري حاليًا هو سوق خام، مما يجعله مهيّأ للاستثمار في كل المجالات، بما فيها البنية التحتية التي تحتاج إلى مشاريع إنقاذ شاملة لا مجرد تحسينات. كما دعا إلى إعادة تأهيل الكوادر السورية لتمكينها من التعامل مع مستثمرين بهذا الحجم، وتوفير بيئة قانونية وتشريعية محفزة وجاذبة. وعلى الرغم من إجماع الخبراء على إيجابية الخطوة السعودية في دعم سوريا واقتصادها وتعزيز بنيتها الاستثمارية، فإنهم طالبوا بضرورة استصدار تشريعات تواكب هذه المرحلة وتتعامل بإيجابية معها، كما دعوا إلى تأهيل كوادر كفوءة تكون قادرة على التعامل مع هذا النوع من المستثمرين.