الرقة تبيع أراضيها: ديون متراكمة تدفع المزارعين للتخلي عن مصدر رزقهم

Facebook
WhatsApp
Telegram

خاص - سوريا 24

تتسارع وتيرة بيع الأراضي الزراعية في محافظة الرقة خلال السنوات الأخيرة، في مشهد يعكس أزمة اقتصادية واجتماعية متفاقمة تهدد استقرار المجتمع المحلي، وتضع القطاع الزراعي أمام مستقبل محفوف بالمخاطر.
يواجه مزارعو الرقة ضغوطًا مالية متراكمة ناجمة عن ارتفاع تكاليف الإنتاج الزراعي وغياب آليات دعم فعالة من الإدارة الذاتية، ما اضطر عددًا متزايدًا منهم إلى بيع أراضيهم لتسديد الديون المتراكمة، في خطوة قد تبدو مؤقتة ولكنها تحمل تداعيات طويلة الأمد.

80% من السكان يزرعون.. لكن الزراعة لم تعد مجدية

تشير التقديرات إلى أن أكثر من 80% من سكان مدينة الرقة يعتمدون على الزراعة كمصدر رئيسي للعيش، ما يبرز أهمية هذا القطاع في الحياة الاقتصادية والاجتماعية للمنطقة. إلا أن الارتفاع الكبير في أسعار البذور والأسمدة والمبيدات وأجور اليد العاملة، في ظل غياب الدعم المؤسساتي، جعل الزراعة عبئًا ثقيلًا لا يقوى عليه كثيرون.

تراجعت أسعار الأراضي الزراعية نتيجة كثرة المعروض منها، إذ انخفض سعر الدونم الجيد من نحو 3000 دولار قبل عام 2011 إلى نحو 1500 دولار فقط في الوقت الراهن، مما يعكس حجم الخسائر التي تكبدها المزارعون.

شهادات من عمق الأزمة

في حديثه لموقع “سوريا 24″، قال المزارع محمد الخالد (47 عامًا) من قرية السلحبية: “عجزنا في السنوات الأخيرة عن تمويل زراعة أراضينا بأنفسنا، فاضطررت إلى الاستدانة لتوفير المستلزمات الزراعية. لكن ارتفاع الفوائد فاقم أزمتي، ولم أجد خيارًا سوى بيع جزء من الأرض للحفاظ على المتبقي منها.”

أما المزارع فهد العيسى (41 عامًا) من قرية الكرامة، فرأى في بيع جزء من أرضه خيارًا صعبًا ولكن لا مفر منه: “بعت نصف أرضي لتسديد ديوني المتراكمة. كانت صفقة مؤلمة، لكنني فضّلت استقرار عائلتي على التمسك بكل الأرض.”

بدوره، عبّر ماجد النايف (28 عامًا) من قرية الكسرة عن مخاوفه من المستقبل بعد أن اضطر لبيع قطعة من أرضه الموروثة: “الضغوط المالية أجبرتني على بيع جزء من أرضي. إنها خسارة مؤلمة ماديًا ونفسيًا. إن لم يتم تقديم دعم قريب، لا أعلم ما الذي ينتظرنا.”

التجار يستغلون الحاجة والدعم غائب

تُظهر المعطيات أن الجزء الأكبر من ديون المزارعين يعود إلى تجار مستلزمات الزراعة، الذين يفرضون أسعارًا مرتفعة مستغلين غياب الرقابة والدعم الحكومي. ويضطر المزارعون إلى الشراء بالدين، على أمل تعويض الخسائر في مواسم لاحقة، وهو ما لا يتحقق في كثير من الأحيان.

وفي تصريح خاص لـ”سوريا 24″، أوضح مصدر في لجنة الزراعة التابعة للإدارة الذاتية أن الدعم المقدم للقطاع الزراعي محدود بسبب ضعف التمويل ونقص الموارد الفنية، مؤكدًا أن هناك محاولات لتطوير برامج مساعدة رغم العقبات.

دعوات لإجراءات عاجلة

من جانبه، أشار المهندس الزراعي رائد السالم إلى أن تراكم الديون وغياب آليات الدعم يحولان الزراعة إلى مشروع غير مجدٍ لكثيرين، وقال: “من الضروري توفير قنوات تمويل ميسّرة للمزارعين، إلى جانب دعم فني مستدام، لضمان استمرارية الزراعة وعدم تفكك هذا القطاع الحيوي.”

أثر اجتماعي يتجاوز الحقول

لا تقتصر تداعيات هذه الأزمة على الجانب الاقتصادي فحسب، بل تمتد إلى البعد الاجتماعي أيضًا. إذ يعني فقدان الأرض – بالنسبة للعديد من الأسر – خسارة مصدر العيش الأساسي، ما يؤدي إلى ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، وربما الهجرة نحو المدن أو خارج البلاد، وهو ما يهدد النسيج الاجتماعي المحلي.

الحاجة إلى تدخل فعّال

في ضوء ما تشهده محافظة الرقة من تفاقم في ظاهرة بيع الأراضي الزراعية، تبدو الحاجة ملحة إلى تدخل فوري وفعّال من الجهات المعنية، من خلال تبني سياسات دعم واضحة للقطاع الزراعي، وإعادة تنظيم سوق مستلزمات الزراعة، وخلق فرص تمويل منصفة تضمن بقاء الأرض بيد أصحابها، وحماية الأمن الغذائي والاجتماعي للمنطقة.

مقالات ذات صلة