من قرية معشوق في الريف الغربي لمدينة القامشلي، تنطلق حكاية شابة غيّرت واقعاً بأكمله، وفتحت باب الأمل لكثيرين فقدوا أطرافهم، في منطقة تعاني من سنوات طويلة من الحرب والإهمال. سوزدار جميل، أخصائية أطراف صناعية تبلغ من العمر ثلاثين عاماً، هي أول امرأة في محافظة الحسكة تخوض هذا المجال وتفتتح مركزاً متخصصاً باسمها.
بدأت رحلتها بعد تخرجها من المعهد الصحي عام 2017، حيث التحقت بالعمل ضمن منظمة فرنسية لمدة أربع سنوات، واكتسبت خلالها خبرة ميدانية كبيرة. منذ اللحظة الأولى، شعرت أن هذا المجال ليس مجرد عمل، بل هو شغف متجذر، كما تصفه بقولها: “منذ أن علمت أنني الوحيدة من محافظة الحسكة التي تدرس هذا التخصص، أدركت أنني أفتح باباً جديداً ومختلفاً، وأنني في طريقي إلى ترك بصمة غير تقليدية في المنطقة”.
لم يكن افتتاح المركز خطوة سهلة. فالوضع الأمني في سوريا، إلى جانب التحديات الاقتصادية، كانا من الأسباب التي أخّرت انطلاق مشروعها. لكنها لم تستسلم، واستمرت تعمل وتخطط بصبر حتى تمكّنت، قبل نحو شهر، من افتتاح مركزها الخاص في مدينة القامشلي، تحت اسم “مركز سوز للأطراف الصناعية والأجهزة التقويمية”.
في حديثها لـ”سوريا 24″، تقول سوزدار إن العمل في هذا المجال لا يتوقف عند حدود التقنية أو الصناعة، بل يمتد إلى عمق إنساني كبير. تصف ليالي طويلة لم تنم خلالها بسبب حالات معقّدة تفكر في حلول لها، وتؤكد أن رؤية الفرح في عيون المريض لحظة استعادة جزء من جسده، هي اللحظة التي تمنحها الطمأنينة والراحة. تشعر أن المرضى يرون فيها أملهم الوحيد، وهي لا تخذلهم، بل تعتبر نفسها جزءاً من عملية استعادة حياتهم.
رغم التكاليف المرتفعة للمواد، والتي تُستورد بالكامل من خارج سوريا، كالسليكونات، والأصابع التجميلية، والمفاصل الصناعية، إلا أن سوزدار تحرص على تقديم خدماتها بأسعار رمزية تراعي الوضع المعيشي الصعب لأهالي الحسكة. تؤكد أن الهدف الأساسي من المركز هو تخفيف المعاناة عن المرضى، وتوفير بدائل محلية تغنيهم عن السفر إلى محافظات بعيدة أو خارج البلاد، وما يتبع ذلك من أعباء مالية ونفسية.
في الوقت ذاته، اعتمدت سوزدار على تصميم بعض المعدات البسيطة داخل سوريا، مثل الأفران التي تُستخدم لتليين المواد، وأجهزة الحف، محاولة تقليل النفقات وتجاوز صعوبات الاستيراد.
دعم العائلة، وتحديداً والدها وزوجها، كان عاملاً حاسماً في مسيرتها. تقول بثقة وامتنان إنهم وقفوا إلى جانبها منذ اللحظة الأولى، وشجّعوها على المضي في هذا الطريق رغم النظرة التقليدية لدور المرأة في بعض المجتمعات الريفية.
اليوم، تعمل سوزدار أيضاً ضمن مشروع تابع للكنيسة في مدينة القامشلي، وتقدّم خدماتها للمرضى دون تمييز، مدفوعة برغبة صادقة في المساعدة وردّ الجميل للمجتمع. وهي لا تتردد في توجيه رسالة واضحة لطلاب الشهادة الثانوية، داعية إياهم إلى التوجه نحو هذا المجال الإنساني النبيل، الذي يمنحهم فرصة حقيقية لصناعة الأمل وتغيير حياة الآخرين.