تلبيسة: تسرب مياه الصرف الصحي يهدد الأراضي الزراعية وصحة السكان

Facebook
WhatsApp
Telegram

خاص – سوريا 24

تشهد مدينة تلبيسة في ريف حمص تسربًا متسارعًا لمياه الصرف الصحي إلى الأراضي الزراعية المحيطة، في تطور خطير يهدد خصوبة التربة، ويُعرض صحة السكان للخطر، ويُفاقم مخاوف التلوث الواسع لمصادر المياه الجوفية، بما فيها آبار الشرب.

ما بدأ كحل مؤقت بعد تعطل الخط الإقليمي للصرف الصحي، تحول إلى كارثة بيئية مكتملة الأركان، تُنذر بتداعيات طويلة الأمد على الزراعة، وصحة الإنسان، والبيئة المحلية، في ظل غياب تام للحلول الفورية، وانعدام القدرات المادية والفنية لدى البلدية.

تسرب جارف وكارثة مقبلة

أمام طوفان خط الصرف الصحي القديم المكشوف، الذي يمتد من تلبيسة باتجاه الزعفرانة، يقف المزارعون والمواطنون عاجزين أمام ما وصفه الناشط المدني إبراهيم الياسين بـ”الكارثة الوشيكة”.

وأوضح الياسين في حديث لمنصة سوريا ٢٤، أن “المياه الملوثة بدأت بالفعل بالتسرب إلى الأراضي الزراعية، ما يؤدي إلى تلوث التربة بمواد سامة وعوامل ممرضة، ويزيد من خطر انتشار الأمراض، خصوصًا بين الأطفال وكبار السن”.

وأضاف: “الخط القديم مكشوف، وتم تغطيته مؤقتًا بـ “ريكارات” سُرقت أغطيتها، ما جعل التسرب أسرع.

ونتيجة لذلك، بدأت المياه تتدفق نحو الأراضي الزراعية، وتمسح باتجاه الآبار، ما يهدد بتفشي الأمراض المعوية والجلدية، إضافة إلى تدمير المحاصيل التي تُزرع وتُستهلك طازجة”.

وأشار إلى أن “حجم الكارثة كبير جدًا، وقد يتفاقم بشكل كبير خلال فصل الشتاء مع زيادة كميات المياه الجوفية، ما يزيد من خطر تسلل التلوث إلى شبكة المياه الجوفية”.

أرض زراعية تحت التهديد

يُعد التسرب المستمر لمياه الصرف غير المعالجة إلى الأراضي الزراعية أحد أخطر التحديات البيئية التي تواجه المنطقة، حيث تحتوي هذه المياه على ملوثات كيميائية وبيولوجية خطيرة، من بينها:

– البكتيريا والفيروسات التي تسبب أمراضًا مثل الكوليرا، التهاب الكبد الوبائي، والدوسنتاريا.

– المعادن الثقيلة الناتجة عن المخلفات الصناعية والمنزلية.

– النيتروجين والفوسفور التي تؤدي إلى تدهور خصوبة التربة على المدى الطويل، وتفاقم مشكلة “الازدهار الطحلبي” في المصادر المائية.

ويحذر الياسين من أن زراعة الخضروات مثل الخس، والبقدونس، والجرجير، باستخدام مياه ملوثة، أو على تربة ملوثة، يشكل خطرًا مباشرًا على السلامة الغذائية، وقد يؤدي إلى تفشي أمراض منقولة بالغذاء في كامل المنطقة.

من الحل المؤقت إلى الكارثة

وفقًا للمهندسة سوزان العموري في مجلس مدينة تلبيسة، فإن النظام الحالي للصرف الصحي يعاني من تراكم الأزمات منذ سنوات، وتم الاعتماد على حلول مؤقتة لم تعد قابلة للاستمرار.

وأشارت العموري في حديث لمنصة سوريا ٢٤، إلى أن “المدينة كانت تُصبّ مياه الصرف في ساقية مكشوفة، بعد تجميعها في جور فنية، ثم تفريغها في القاذورات.

لكن مع عودة السكان وازدياد الكثافة السكانية، تضاعفت كمية المياه، ما أدى إلى ارتفاع منسوب المياه في الساقية بشكل رأسي، وليس أفقيًا، ما يعني أن المياه لم تعد تتحرك، بل تتسرب إلى التربة المحيطة”.

وأضافت: “النتيجة هي أن الساقية أصبحت تُرضع المناطق المحيطة بها، ما يؤدي إلى تلوث الآبار، خصوصًا في القطاع الشمالي غير المخدم، حيث توجد جور فنية أخرى تساهم في التلوث”.

وأكدت أن “الحل الدائم هو ربط المدينة بالخط الإقليمي للصرف الصحي، بعد تعزيله وإصلاح الانسدادات، لا سيما عند مفرق الزعفرانة، حيث يعاني الخط من انسدادات ناتجة عن استغلال بعض السكان له كمصدر للري”.

هل هناك خطة لإنقاذ تلبيسة؟

أجابت المهندسة العموري بأن “البلدية تواصلت مع منظمة الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، والتي قامت بزيارة ميدانية ودراسة للوضع، وتم الاتفاق على ربط المدينة بالخط الإقليمي، وإقامة محطة معالجة نباتية في نهايته، لتقليل التلوث قبل تصريف المياه إلى نهر العاصي”.

وأشارت إلى أن “الدراسة جاهزة، وقيمتها تصل إلى حوالي 700 ألف دولار لكل مرحلة، لكن الإجراءات الإدارية والتمويلية تستغرق وقتًا طويلاً”.

وأضافت: “نأمل أن يتم تنفيذ المشروع خلال شهرين، بدعم من شركة الصرف الصحي والمنظمات الدولية”.

لكنها كشفت عن “مشكلة كبيرة في القطاع الجنوبي (المشجر)، حيث كُشفت الريكارات وسُرقت أغطيتها، وحدثت اختناقات في الشبكة بسبب سوء تنفيذ الميول، وتكسير البواري أثناء الحفر”، مشيرة إلى أن “ورشة تعزيل قد تحل المشكلة جزئيًا، لكنها تتطلب تأمين أغطية للريكارات، وهي مكلفة، وحالياً لا توجد سيولة مالية في البلدية”.

أكثر من نصف المدينة مهدد

من جهته، حذّر الدكتور سليم طه، عضو لجان الأحياء في تلبيسة، من أن “المدينة تعيش كارثة بيئية وصحية متفاقمة”، مؤكدًا أن “تلوث الآبار أصبح واقعًا، ويشمل أكثر من نصف المدينة، خصوصًا النصف الشمالي، حيث تم رصد مؤشرات تلوث بيولوجي وكيماوي في عينات مياه متعددة”.

وأوضح في حديث لمنصة سوريا ٢٤، أن “استمرار تصريف مياهالصرف إلى الأراضي الزراعية، واستخدام هذه الأراضي لزراعة محاصيل تُستهلك نيئة، يشكل خطرًا مباشراً على صحة السكان، وقد يؤدي إلى تفشي أوبئة لا يمكن السيطرة عليها”.

ودعا الدكتور طه إلى “إصلاح عاجل للخط الإقليمي، ووقف التصريف العشوائي، واعتماد حلول مؤقتة أكثر أمانًا، مثل استخدام صهاريج لنقل المياه إلى محطات المعالجة”، مطالبًا “بإرسال مشرفين متخصصين من وزارة البيئة وشركة الصرف الصحي للإشراف على الوضع، ووضع خطة علاجية علمية تُنفذ فورًا”.

كارثة بيئية وصحية متكاملة،

ما يحدث في تلبيسة ليس مجرد أزمة صرف صحي، بل كارثة بيئية وصحية متكاملة، تهدد مستقبل الزراعة، وصحة الإنسان، واستدامة الموارد المائية، في حين أن المطلوب الآن ليس مجرد إصلاح أنابيب، بل إنقاذ مدينة بأكملها من التدهور البيئي.

مقالات ذات صلة