في ظل درجات حرارة تجاوزت الأربعين مئوية، يحاول سكان المخيمات شمال سوريا، في مناطق قاح وكفر لوسين وأطمة ومخيم الكمونة في سرمدا، التكيّف مع موجة الحر القاسية هذا الشهر باستخدام وسائل تقليدية، كسكب الماء على الأرض، والجلوس تحت ظلال الأشجار، أو تشغيل مراوح صغيرة بالكاد تعمل على ألواح الطاقة الشمسية. لكن تلك الوسائل تبقى غير كافية أمام الحرارة اللاهبة، خاصةً لمن يعيشون في خيام أو غرف مؤقتة لا تقيهم شيئًا.
“السقف صار فرنًا حديديًا”
في مخيم قاح، تعيش غدير، أم لثلاثة أطفال، في غرفة صغيرة مسقوفة بالتوتياء، التي تحوّل المكان في النهار إلى ما يشبه الفرن المغلق. تقول بحسرة:
“كل يوم بسخّن ميّ ومنرش الأرض علشان نهدي الجو، بس مافي فايدة، السقف بيجمع الشمس وبيصير الحديد نار. ولادي بيضلوا يصرخوا من الحر، ما بعرف وين آخدهم، لا ظل ولا براد ولا مروحة تشتغل”.
وتضيف أن البقاء داخل الغرفة المكتظة يعرض أطفالها لخطر الاختناق، فيما اللعب خارجها يهددهم بضربات الشمس، ما يجعلها في صراع دائم بين خيارين أحلاهما مرّ.
المراوح لا تعمل والطاقة الشمسية ضعيفة
من مخيم الكمونة في سرمدا، يقول محمد علي، المهجَّر من ريف إدلب الجنوبي، إنه يواجه صعوبة في تشغيل أي وسيلة تبريد داخل خيمته:
“عنا لوح شمسي واحد وبطارية صغيرة، بس لما بتصير الشمس قوية، البطارية بتسخن وما بتشحن، فالمروحة ما بتمشي. الجو جحيم بالنهار”.
يشير محمد إلى أن تركيب مراوح سقفية داخل الخيام أمر شبه مستحيل، سواء بسبب طبيعة الخيمة أو الحاجة إلى مصادر طاقة لا يقدرون على تكلفتها، في ظل تردي الأوضاع المعيشية وتوقف معظم مصادر الدخل.
أثر صحي خطير على الأطفال
الدكتور محمد الخالد، طبيب أطفال يعمل في شمال إدلب، يحذر من تبعات موجات الحر على صحة الأطفال، خاصةً في المخيمات: “الحرارة المرتفعة تؤدي إلى حالات جفاف عند الأطفال، ونقص السوائل يزيد من خطر التشنجات والحمى وضربات الشمس. الخطر الأكبر بيكون عند الأطفال تحت سن الخمس سنوات، خصوصًا إذا ما في تكييف أو مياه نظيفة كفاية”.
ويضيف أن غياب الوعي بمخاطر الحرارة وقلة الإمكانيات الطبية في المخيمات يزيد من احتمالية وقوع مضاعفات صحية خطيرة يصعب علاجها في الوقت المناسب.
مأساة متجددة كل صيف
أغلب سكان هذه المخيمات هم من المهجَّرين قسرًا الذين عجزوا عن العودة إلى مناطقهم المدمرة بفعل العمليات العسكرية. يعيشون اليوم في خيم قماشية أو غرف مبنية من “الشوادر” والعوازل المؤقتة، وسط نقص حاد في الخدمات الأساسية من كهرباء وماء، وفي ظل غياب أي حلول فعلية لتحسين ظروفهم المعيشية.
وتتكرر مأساة الحر كل صيف، في وقت تندر فيه الاستجابات الإنسانية لتقديم حلول بسيطة كالمبردات أو المراوح أو حتى خيام أكثر ملاءمة، ما يترك آلاف العائلات تواجه الطبيعة القاسية بوسائل شبه معدومة.