ثريا بشماف: رحلة من الحرمان إلى الإبداع عبر البرمجة والكلمة

Facebook
WhatsApp
Telegram

خاص – سوريا 24

لم تكن بداية ثريا محمد علي بشماف تشبه أحلام طفولتها. توقفت عند الصف السادس بعدما أُغلقت مدرستها وتحولت مدينتها منبج إلى مدينة صامتة بلا تعليم.

تقول ثريا لـ”منصة سوريا 24“: “كنت أرى طفولتي تُسلب أمامي.. الحرب لم تترك لنا سوى الخوف والجوع..توقفت الكتب عن الوصول، وتحولت مدرستي إلى خراب.. كنتُ أسأل نفسي: هل سأبقى هكذا؟”.

في عام 2014، اجتاح تنظيم “داعش” مدينة منبج شمال سوريا، وحوّلها إلى واحدة من أبرز معاقله في الشمال الشرقي للبلاد.

لسنواتٍ خيّم الخوف على سماء المدينة، توقفت المدارس، غاب العلم، وفرض التنظيم على أهلها عزلة قاسية.

وعلى الرغم من سيطرة “قسد” بدعم من التحالف الدولي على المدينة عام 2016، إلا انّ واقع المدينة لم يكن بأحسن أحواله، وبعد سقوط النظام في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، انسحبت “قسد” من المدينة وسطرت عليها قوات الحكومة السورية الجديدة.

ورغم ذلك إلا أنّ آثار سنوات  بقيت محفورة في ذاكرة من عاشوها، إذ تشير تقارير الأمم المتحدة ومنظمة اليونيسف إلى أن هذه التجربة ليست استثناءً، فالحرب السورية منذ عام 2011 ألحقت الضرر بما يقارب 5.5 مليون طفل.

سجل التقرير الأممي  أكثر من عشرة آلاف وفاة بينهم، كما حُرم نحو 2.8 مليون طفل من التعليم بشكل كامل، وبحلول عام 2019 كان هناك ما يقارب مليوني طفل آخرين خارج مقاعد الدراسة بسبب تدمير المدارس أو استخدامها لأغراض عسكرية أو خوف الأهالي من إرسال أبنائهم إليها.

رفضت ثريا أن تكون واحدة من ضحايا هذه الحرب،  وبعد سيطرة “قسد” على المدينة، انتقلت إلى حلب لتلحق بما فاتها من تعليم.

تابعت دراستها حتى دخول الجامعة، أتقنت اللغة الإنجليزية، وانفتحت على العالم التقني. لم تكن الطريق سهلة، لكن الإصرار كان سلاحها، كما تقول.

كما تعلمت لغات البرمجة، وأسست شركة “الوجيز للتكنولوجيا” في المملكة العربية السعودية كشريكة مؤسسة، وهي اليوم تسعى إلى نقل خبراتها إلى الداخل السوري من خلال مشاريع برمجية مؤسساتية قادرة على دعم التحول الرقمي.

ومع توسع آفاقها، انطلقت نحو البحث العلمي والفكر، فانضمت إلى مؤسسة الذكوات للتنمية والثقافة في العراق، لتصبح باحثة في القضايا الاجتماعية والسياسية.

كتبت أربعة مؤلفات فكرية عميقة: نضوج التاريخ، سينمائية التحليلات الذهنية، لم يُنصف العقل، يخصّك، لكنها احتفظت بها في الأدراج خوفاً من القمع، واليوم تستعد لإطلاقها تباعاً بدءاً من نهاية العام الحالي.

أما باكورة أعمالها المنشورة فكانت كتاب “الحكمة والأمجاد”، الذي جاء بناءً على دعوة من مؤسسة الموصل للثقافة والتنمية المستدامة لتقديم رؤيتها في صيغة حكم مشروحة فلسفياً.

صدر الكتاب قبل تحرير الموصل بثلاثة أشهر، ونظمت جامعة حلب حفلاً لتوقيعه، في المفارقة التي تقول عنها ثريا: “لم أتخيل يوماً أنني سأعود إلى المكان الذي أُقصيت منه بسبب أفكاري، لكنني عدت إليه بكلمة مطبوعة، لا بكلمة ممنوعة”.

وقد حقق الكتاب صدى عربياً واسعاً، وتم ترشيحه لجائزة الشيخ زايد 2024 عن فئة “بناء الدولة”، كدليل على أن الإبداع يمكن أن يولد حتى في قلب الدمار

. وإلى جانب دراستها الجامعية الحالية في قسم علم الاجتماع بجامعة حلب، تقدم ثريا ورشاً تدريبية للشباب لبناء وعي نقدي يتجاوز القوالب الفكرية الجاهزة.

وبحسب ثريا فإنّ مشروعها الثقافي والاجتماعي يهدف إلى تأسيس جيل جديد لا يكتفي بتلقي المعرفة، بل يعيد صياغتها ليشارك في بناء سوريا المستقبل.

وتختم ثريا حديثها لـ”سوريا 24“، بالقول: “أريد أن أكون مثالاً لجيلٍ لم تقتله الحرب.. كل ما عشته كان بداية، وليس نهاية.. أؤمن أن عقولنا، إذا استيقظت، قادرة على صنع سوريا أخرى، حرة وقوية”.

مقالات ذات صلة