ملف الاستملاكات في منطقة الليرمون بحلب، الذي جرى على مراحل منذ ستينيات القرن الماضي، ما يزال جرحاً مفتوحاً لعشرات العائلات التي فقدت أراضيها ومنازلها منذ عقود.
قرارات وُصفت بالجائرة حوّلت ملكيات خاصة إلى مشاريع عامة أو اتحادات سكنية، وتركت الأهالي بلا مأوى، فيما تحولت المنطقة التي كانت تُعدّ من أغنى مناطق حلب إلى واحدة من أفقر أحيائها.
عمر صالح بكرو، المولود عام 1956، قال لمنصة “سوريا 24” إن عائلته كانت تملك مساحات واسعة من الأراضي في الليرمون قبل أن تستولي عليها البلدية بقرارات وصفها بـ”غير القانونية”، وتوزعها لصالح اتحاد سكني كان يرأسه الدكتور أحمد أشقر، وهو شخصية رسمية نافذة في تلك المرحلة.
وأضاف: “أملاكنا تحوّلت إلى مشاريع لجهات لا علاقة لنا بها، وبقينا بلا مأوى”، موضحاً أن “القانون الجائر الذي صدر في الستينيات حدد سعر المتر بأربع ليرات وستين قرشاً، بينما كان سعره الحقيقي أكثر من 150 ليرة”، مؤكداً أنه لم يستلم هذه المبالغ رغم تحويلها إلى البنك.
رفع دعوى على حافظ الأسد… فحُبس المحامي وعُزل القضاة
وأشار بكرو إلى أن الأهالي لم يسكتوا، بل رفعوا دعوى قضائية مباشرة ضد حافظ الأسد نفسه، موضحاً أنهم حصلوا على حكم قضائي لصالحهم في القضية، لكن ما حدث كان صادماً، بحسب بكرو، إذ عُزلت اللجنة القضائية التي نظرت القضية، واعتُقل المحامي الموكّل بمتابعة الملف.
ويؤكد بكرو أن الحكم ما يزال بحوزتهم حتى اليوم، ويطالب بإعادة تفعيله، مشدداً على أنهم ليسوا ضد الحكومة، لكنهم يريدون رفع الظلم عنهم، لافتاً إلى أن المنطقة التي كانت تُعدّ من أغنى مناطق حلب تحولت إلى أفقرها بسبب قانون الاستملاك والفساد الإداري.
متضرر: “هدموا بيوتنا وتركوا العائلات في العراء”
محمد بكرو، أحد سكان الحي، تحدث عن تجربة أشد قسوة، حيث كانت عائلته تملك نحو 4000 متر مربع عليها ثلاثة منازل قديمة ورثوها عن أجدادهم منذ عقود، لكنه فوجئ بقرار استملاك صادر لصالح الجمعيات الحرفية.
وقال لمنصة “سوريا 24“: “بعد سنوات من الملاحقات والمحاكم، هُدمت منازلنا عام 2007 دون أي إنذار”، موضحاً أنه لم يتمكن من إخراج أثاث المنزل، وأنه بقي مع عائلته ثلاثة أيام ينامون في العراء.
واشتكى محمد من أن التعويض كان رمزياً جداً، إذ لم يصل إلى نسبة 10% من قيمة العقار الحقيقية في ذلك الوقت، مؤكداً أن الغبن والظلم الذي تعرضت له عائلته لم يكن حالة فردية، وإنما طال عشرات العائلات الأخرى.
وطالب محمد الحكومة بإنصافهم وإعادة ممتلكاتهم التي صادرها النظام السابق إليهم، أو منحهم تعويضات عادلة تمكّنهم من إعادة بناء منازلهم التي دُمّرت بفعل قانون الاستملاك.
قانون الاستملاك تحت المجهر
قانون الاستملاك رقم 60 لعام 1979، الذي استندت إليه معظم هذه القرارات، منح الدولة والبلديات صلاحيات واسعة للاستيلاء على الأراضي بحجة المنفعة العامة مقابل تعويضات زهيدة. لكن كثيراً من هذه الأراضي لم تُستثمر فعلياً، وبقي جزء كبير منها فارغاً أو استُخدم في مشاريع لا علاقة لها بالمصلحة العامة.
رأي قانوني: هل يمكن إعادة الأراضي؟
المحامي عامر حماشي، المختص في قضايا العقارات، يرى أن ما جرى في الليرمون مثال صارخ لسوء استخدام القانون.
وقال لمنصة “سوريا 24“: “الاستملاك تم بشكل اعتباطي، خاصة في غرب حلب، حيث استولت السلطات على مئات الهكتارات دون أي تعويض عادل”.
وطالب حماشي بإصدار قانون جديد يعالج آثار الاستملاك السابقة بأثر رجعي، موضحاً أنه “يجب إعادة النظر في جميع قرارات الاستملاك وإعادة العقارات التي لم تُستثمر إلى أصحابها، أو تعويضهم وفق أسعار السوق الحالية”.
ونوّه إلى أن الكثير من العقارات لم تنتقل ملكيتها رسمياً وما زالت عليها إشارة استملاك فقط، وهذه يجب رفعها فوراً، أما في حال إقامة منشآت عامة عليها، فيجب تعويض المتضررين بما يتناسب مع قيمتها الحقيقية الحالية.
وختم حديثه بالقول: “لا يمكن بناء دولة حديثة على ظلم استمر لعقود، وعلى الحكومة التعامل مع هذه القضية بجدية كي يشعر المتضررون بإنصاف الدولة وعدالتها”.
ما آثار القانون 60؟
تُقدَّر مساحات الأراضي التي استملكتها الدولة منذ سبعينيات القرن الماضي بمئات الآلاف من الهكتارات. جزء كبير منها استُخدم في مشاريع خدمية، لكن نسبة واسعة بقيت فارغة أو استُخدمت لأغراض خاصة.