أسواق الملابس الأوروبية المستعملة… متنفس اقتصادي واجتماعي لأهالي الرقة

Facebook
WhatsApp
Telegram

خاص - سوريا 24

في أحد أزقة مدينة الرقة المزدحمة، يعلو صوت الباعة وهم ينادون على بضائعهم المعلّقة على واجهات المحال المتواضعة. ألوان الملابس الأوروبية المستعملة تملأ المكان، وكأنها تحكي قصصاً عبرت القارات قبل أن تصل إلى هذه المدينة المنهكة بالأزمات الاقتصادية. هنا، يجد كثير من الأهالي فرصة لشراء ما يحتاجون إليه بأسعار تتناسب مع ما تبقّى من قوتهم الشرائية.

يقول حسن محمد (43 عاماً)، وهو أب لخمسة أطفال، بينما يقلب بين قطع الملابس المعروضة: “أسعار الملابس الجديدة أصبحت بعيدة عن متناولنا. لم أعد أستطيع شراء ما يحتاج إليه أطفالي من المحال التقليدية. هذه الملابس الأوروبية المستعملة تمثّل لنا حلاً عملياً واقتصادياً، فهي تلبّي حاجتنا بجودة مقبولة.”

بين الحاجة والذوق

ما يلفت الانتباه في هذه الأسواق أنها لم تعد ملاذاً للفقراء فقط، بل صارت مقصداً لشرائح مختلفة تبحث عن قطع مميزة بأسعار مناسبة. المحال تعرض تشكيلة واسعة من الموديلات، بعضها عصري ويلائم الشباب، وأخرى أكثر كلاسيكية تناسب مختلف الأذواق والفئات العمرية.

تقول سارة يوسف (21 عاماً)، طالبة جامعية، وهي تحمل بين يديها جاكيتاً من ماركة عالمية: “أحب اقتناء بعض القطع الأوروبية المستعملة، خاصة إذا كانت من ماركات معروفة. أستطيع بهذه الطريقة أن أظهر بمظهر أنيق ومميز، وهو أمر مهم بالنسبة إليّ، خصوصاً في ظل غلاء الملابس الجديدة وصعوبة العثور على قطع جيدة في الأسواق المحلية.”

تراجع القوة الشرائية يدفع إلى البدائل

هذه الظاهرة لا تنفصل عن واقع اقتصادي يزداد تعقيداً يوماً بعد يوم. البطالة المرتفعة وتراجع الدخل دفعا كثيراً من الأسر إلى إعادة النظر في أولوياتها والبحث عن خيارات أقل كلفة. الملابس المستعملة أصبحت بالنسبة إليهم حاجة أساسية أكثر منها خياراً إضافياً.

يقول فواز أحمد (57 عاماً)، وهو يتفحص بدلة رسمية معروضة للبيع: “هذه الأسواق تخدم شريحة واسعة من الناس، لكنها بحاجة إلى تنظيم ورقابة أكبر. أحياناً نصادف ملابس بحالة سيئة أو غير نظيفة، وهذا يسبّب قلقاً لكثير من العائلات التي تعتمد على هذه الأسواق بشكل كامل.”

أسواق تحرّك الاقتصاد المحلي

لا يقتصر أثر تجارة الملابس المستعملة على المستهلكين وحدهم، بل يمتد ليشمل الباعة الذين يعتمدون عليها كمصدر دخل رئيسي. كثير من الشباب والعائلات باتوا يشترون الملابس الأوروبية من مصادر متعددة، ليعيدوا فرزها وعرضها في الأسواق المحلية. هذا النشاط ساعد في توفير فرص عمل ودعم الاقتصاد المحلي في مدينة تعاني من ضيق الموارد.

بينما يتحدث الباعة عن مكاسبهم المتواضعة، يوضح أحدهم أن هذه التجارة أصبحت بمثابة شريان حياة، ليس فقط للزبائن بل لهم أيضاً، إذ تتيح لهم البقاء في سوق العمل في ظل غياب بدائل اقتصادية حقيقية.

الحاجة إلى دعم وتنظيم

التوجّه المتزايد نحو الملابس الأوروبية المستعملة في الرقة يعكس قدرة الأهالي على التكيّف مع ظروف قاسية. هو أكثر من مجرد خيار اقتصادي؛ إنه محاولة للحفاظ على الكرامة الإنسانية في مواجهة الغلاء المستمر.

لكن هذه الظاهرة، رغم أهميتها، لا تزال بحاجة إلى دعم رسمي وشعبي لجعلها أكثر استدامة وأماناً، عبر تنظيم الأسواق وضمان جودة البضائع المعروضة، إضافة إلى تطوير هذا القطاع بما يتيح له المساهمة بشكل أكبر في تحريك عجلة الاقتصاد المحلي.

مقالات ذات صلة