رغم الدمار الذي خلّفه القصف وعمليات النهب، بدأ عدد محدود من أهالي بلدة جرجناز في ريف إدلب الجنوبي بالعودة إلى منازلهم المهدّمة، في محاولة لاستعادة بعض من ملامح الحياة في بلدة كانت حتى وقت قريب شبه خالية من السكان. إلا أن العائدين يواجهون واقعًا قاسيًا من التحديات اليومية، في ظل غياب مقومات الحياة الأساسية وغياب المنظمات الإنسانية عن المشهد.
وبحسب رئيس المجلس المحلي إبراهيم حسين دغيم، فإن نسبة العائدين ما تزال ضئيلة، إذ لم تتجاوز ربع سكان البلدة الأصليين، وتقتصر مظاهر النشاط على بعض المحال التجارية الصغيرة التي توفر الاحتياجات الأساسية. فيما يعيش كثير من العائدين داخل منازل بلا أسقف، أو يقيمون خيامًا داخل جدران البيوت المهدّمة.
أزمة مياه خانقة وغياب حلول دائمة
تتصدر أزمة المياه قائمة المشكلات التي تؤرق سكان جرجناز، حيث توقفت محطة ضخ المياه في قرية الهلبة المجاورة، ما دفع الأهالي للاعتماد على صهاريج المياه الخاصة، التي يصل سعر الواحد منها إلى نحو 10 دولارات، وهو مبلغ يفوق قدرة العديد من العائلات التي أنهكتها سنوات النزوح والحرمان.
يقول ليث السيد دغيم، وهو صحفي من أهالي المنطقة إنه رغم هذه المبادرات المحلية، يظل المشهد في جرجناز معقدًا، حيث يتطلب تأمين عودة كريمة وآمنة للسكان استجابة عاجلة من الجهات الإنسانية والداعمين الدوليين. كما يأمل الأهالي أن تشملهم برامج إعادة الإعمار، وتأهيل البنية التحتية الأساسية، بما يعيد للبلدة جزءًا من حياتها المفقود
قطاع التعليم بانتظار الوعود
في ظل عودة جزئية للسكان، تواجه جرجناز نقصًا حادًا في البنية التحتية التعليمية. وبالرغم من وعود من قبل المحافظة بإعادة تأهيل أربع مدارس، إلا أن العملية ما تزال في مراحلها الأولى، ما يهدد بحرمان مئات الأطفال من حقهم في التعليم للعام الدراسي القادم.
غياب شبه تام للمنظمات الإنسانية
يفتقر العائدون لأي شكل من أشكال الدعم الإنساني المنظم، حيث لم تُسجَّل حتى الآن أية مبادرات من قبل المنظمات الدولية أو المحلية لتوزيع مساعدات أو تنفيذ مشاريع مستدامة في البلدة. ويشكو الأهالي من غياب تام لأي برامج غذائية أو صحية أو دعم نفسي، رغم الحالة الكارثية التي يعيشونها.
خراب بسبب القصف والنهب
تعرضت البلدة خلال السنوات الماضية لدمار هائل نتيجة القصف من قبل قوات النظام السوري، إلا أن الخراب لم يقتصر على آثار الحرب فقط، إذ أُبلغ عن عمليات نهب ممنهجة طالت المنازل، شملت سرقة الأسقف والحديد والأبواب والنوافذ، من قبل ميليشيات النظام والعائلات الموالية التي تمركزت في أطراف البلدة. كما سُجّلت كارثة بيئية متمثلة في انعدام الغطاء النباتي، بعد سرقة واقتلاع جميع الأشجار وبيعها في الأسواق..
جهود فردية لتأهيل المستوصف
وفي غياب الدور الحكومي، بدأت بعض الجهود الفردية بإعادة تأهيل المستوصف الوحيد في البلدة، عبر تبرعات شخصية وعلاقات خاصة، في محاولة لتوفير الحد الأدنى من الرعاية الصحية للعائدين، لكن المشروع لا يزال محدود الموارد وغير مرتبط بأي جهة رسمية أو منظمة داعمة.
وناشد الدغيم، رئيس المجلس المحلي، خلال حديثه إلى منصة سوريا 24 المعنيين للإسراع في دعم قطاعي المياه والتعليم، قائلاً إن المجلس المحلي لا يزال في طور التشكيل، مشيرًا إلى أن البلدة تعرضت لدمار شبه كامل نتيجة القصف والسرقات، ما انعكس على غياب تام للمقرات والمكاتب الإدارية، بما فيها مبنى البلدية القديم الذي دُمّر بالكامل، شأنه شأن معظم الدوائر الخدمية السابقة.
وأوضح الدغيم أن المجلس، في حال تم تفعيله بشكل رسمي، سيباشر عمله دون مقر دائم أو بنية تحتية إدارية، في ظل الحاجة الماسة لتأسيس مكاتب ومقرات مؤقتة لبدء العمل الخدمي في البلدة.
وأشار إلى أن أبرز ما يعيق عودة الأهالي هو غياب المياه والتعليم، مؤكدًا أن “90% من أهالي جرجناز لن يتمكنوا من العودة طالما استمرت أزمة المياه واستمر غياب المدارس”. وأضاف: “حتى الآن لا توجد سوى موافقة واحدة على ترميم مدرسة عبر مديرية التربية وبموافقة من المحافظ، أما باقي المدارس فلم تتلقَ أي دعم أو تدخل من قبل المنظمات”.
وشدد الدغيم على أن معالجة هاتين النقطتين تُعد أولوية قصوى، قائلاً: “إذا أردنا تسريع عودة الناس، فعلينا أولاً حل أزمة المياه وتأهيل المدارس، فهما العاملان الأكثر تأثيرًا في قرار الأهالي بالرجوع من مناطق النزوح إلى بيوتهم المدمرة”. حملات تطوعية لإزالة الركام
استجابة لمناشدات الأهالي، أطلق الدفاع المدني السوري مؤخرًا حملة واسعة بدأت من بلدة جرجناز، لإزالة الركام من الشوارع، بمشاركة نحو 30 آلية بينها تركسات وشاحنات، في محاولة لإعادة فتح الطرقات وإتاحة المجال أمام عودة المزيد من السكان.
حيث انطلقت في ريف المعرة الشرقي، وتحديدًا في بلدتي تلمنس وجرجناز، أعمال حملة “بث الأمل” التي تهدف إلى ترحيل الركام المتراكم من الشوارع والأحياء السكنية، في خطوة حيوية تُمهد لعودة الأهالي وتسهم في تسريع وتيرة إعادة الإعمار.
تُنظَّم الحملة بمشاركة وزارة الأشغال العامة والدفاع المدني السوري، وتُسخَّر خلالها نحو 50 آلية متنوعة من مختلف الجهات لتنفيذ الأعمال الميدانية. ومن المتوقع أن تستمر الحملة لمدة شهر أو أكثر، تبعًا لاحتياجات المنطقة وحجم الدمار الذي خلفته سنوات القصف والإهمال.