تعاني بلدة الجبول والقرى التابعة لها جنوب شرق محافظة حلب من تردٍّ كبير في أوضاعها المعيشية والخدمية بعد التحرير. البنية التحتية مدمّرة، والطرقات مليئة بمخلفات الحرب، والناس يكافحون من أجل البقاء.
غياب للخدمات..والفقر أبرز الحاضرين
في هذا السياق، قال المواطن محمد المواس من قرية الجبول لمنصة سوريا 24 إن الحياة في القرية “شبه مستحيلة”.
واشتكى من غياب أي منظمة إنسانية حتى الآن، موضحاً أن كل ما حصلت عليه العائلات العائدة هو كيسا تمر لكل أسرة.
وأشار إلى أن معظم الأهالي يعيشون تحت خط الفقر ولا يملكون حتى ثمن الخبز، بينما المساعدات تقتصر على مبادرات فردية من بعض السكان.
وأوضح أن الوضع الاقتصادي خانق، فلا فرص عمل ولا مصدر رزق. ولفت إلى أن التنقل إلى حلب – التي تبعد نحو أربعين كيلومتراً – يتطلب أجرة تصل إلى خمسة وعشرين ألف ليرة، ما يجعل الذهاب إلى العمل غير مجدٍ.
وبيّن أن الطرق مدمّرة وملغّمة بمخلفات الحرب، الأمر الذي يتسبب بأعطال متكررة للسيارات.
وأشار المواس إلى أن البحيرة تحولت في سنوات الحرب إلى مكب للمتفجرات والقذائف، ولا تزال فيها حاويات ذخائر وألغام بحرية، وهو ما يشكل خطراً دائماً على حياة الناس.
وطالب في ختام حديثه الحكومة والمنظمات بالتدخل لإعادة الحياة إلى الجبول واستثمار البحيرة من جديد.
الجبول..الأهمية والموقع
تقع بلدة الجبول جنوب شرق حلب وتتبع إداريًا لمنطقة دير حافر، وتضم خمس عشرة قرية. تشتهر ببحيرة الجبول، وهي سبخة ملحية واسعة تعدّ ثاني أكبر تجمع مائي داخلي في سوريا وواحدة من أهم المحميات الطبيعية في المنطقة.
تتمتع البحيرة بأهمية دولية إذ أُدرجت منذ عام 1998 على لائحة “رامسار” للأراضي الرطبة لما تحتويه من طيور مهاجرة ونباتات نادرة.
قبل عام 2011 كانت البلدة مركزًا زراعيًا وسياحيًا نشطًا، يعتمد سكانها على زراعة القمح والشعير والخضروات وتربية المواشي، إلى جانب إنتاج الملح الذي كان يوفر آلاف الأطنان سنويًا.
خلال السنوات الماضية، تضررت البنية التحتية وتوقف النشاط الاقتصادي، كما تحولت البحيرة إلى مناطق عسكرية ومكبات للذخائر، ما ألحق بها أضرارًا بيئية كبيرة.
سطرت قوات النظام والميليشيات الموالية لها على البلدة في عام 2015، لكنها بقيت مهملة من جيمع النواحي حتى سقوط نظام الأسد في كانون الأول/ ديسمبر الماضي.
تعاني البلدة، اليوم، من شح المياه والكهرباء وتراجع الإنتاج الزراعي، بانتظار إعادة تأهيل يعيد لها مكانتها البيئية والاقتصادية.
من معاناة الناس إلى صوت الإدارة
وتتطابق شهادة المواطن المواس مع ما تؤكده الإدارة المحلية، إذ يقرّ مجلس البلدة بحجم الصعوبات، مشيراً إلى أن ما يشتكي منه السكان هو واقع تعجز عنه إمكانات المجلس الحالية، ما دفعه إلى توجيه نداءات متكررة للحكومة والمنظمات.
ويقول رئيس مجلس بلدة الجبول، جمعة العبيتر، في حديث لمنصة سوريا 24: “إنّ البلدة الواقعة جنوب شرق محافظة حلب وتضم خمس عشرة قرية، تعاني من تردٍ كبير في الخدمات الأساسية بعد التحرير”. وأكد أن أبرز المشكلات تتمثل في انعدام مياه الشرب النظيفة في عشر قرى، واعتماد السكان على آبار ملوثة، وغياب شبكات الصرف الصحي عن ثلاث عشرة قرية، إضافة إلى حرمان المنطقة بالكامل من الكهرباء منذ 12 عاماً بسبب غياب الشبكات والأعمدة والمحولات.
وشدّد على أن البنية التحتية في القرى التابعة متهالكة جداً، سواء في ما يتعلق بالمياه أو الكهرباء أو الصرف الصحي، وأن معظم المنظمات الإنسانية تكتفي بجمع المعلومات والإحصاءات دون تقديم دعم فعلي، ما يزيد من معاناة السكان. وأضاف أن المؤسسات التعليمية والطبية تواجه أوضاعاً صعبة للغاية بسبب النقص الحاد في المعلمين وعدم توفر كوادر طبية وتمريضية في المستوصفات.
وبيّن العبيتر أن عدد سكان البلدة حالياً يقدر بـ 29 ألف نسمة موزعين على القرى التابعة، فيما لا تتجاوز نسبة العائدين 10 إلى 15% فقط، موضحاً أن هؤلاء العائدين يعانون من غياب المساكن الصالحة للسكن واضطرارهم للعيش في منازل متهالكة، إضافة إلى انعدام مشاريع الترميم والدعم المقدم لهم.
وحول الوضع الأمني، رأى رئيس المجلس أن المنطقة شهدت خلال الشهر الأخير تحسناً نسبياً بعد انتشار القوى الأمنية في منطقة كويرس، ما أتاح لبعض العائلات العودة تدريجياً، إلا أن الخدمات ما زالت غائبة كلياً.
وعلى الصعيد الاقتصادي، أكد رئيس المجلس أن الأهالي يعتمدون بشكل رئيسي على الزراعة وتربية المواشي، حيث تشمل أنشطتهم زراعة القمح والذرة الصفراء والشعير والخضروات، وتربية الأغنام والماعز والأبقار والطيور الداجنة، إضافة إلى صناعة الألبان. إلا أن هذه الأنشطة تواجه صعوبات كبيرة أبرزها قلة المياه، وصعوبة تأمين مياه الري لقصر مدة الضخ، ونقص المبيدات والأسمدة، وقلة الآليات الزراعية اللازمة للحراثة والزراعة.وأشار العبيتر إلى أن بحيرة الجبول كانت قبل الحرب مركزاً مهماً لإنتاج الملح عبر مستثمر محلي كان يدير المملحة ويتبع لمؤسسة الجيولوجيا في حلب، إلا أن هذه الصناعة تعطلت نتيجة الأوضاع الأمنية وتعرضت مملحة الجبول للسرقة والتخريب.
كما أوضح أنه، ورغم عودة الإدارة المحلية إلى عملها، لم يطرأ أي تغيير إداري على البلدة التي لا تزال تتبع لمنطقة دير حافر. ولفت إلى أن أملاك الدولة تعرضت لتعديات عديدة، من بينها سرقة محتويات البلدية وأسلاك الكهرباء والمعدات، إضافة إلى انتشار الأبنية المخالفة.
وفي ختام حديثه، شدّد رئيس المجلس على ضرورة إطلاق مشاريع عاجلة لإعادة تأهيل البنية التحتية (مياه – كهرباء – صرف صحي)، ودعم القطاع الزراعي بالمعدات والأسمدة وشبكات الري، ورفد المدارس والمستوصفات بالكوادر المؤهلة، إلى جانب توفير الدعم اللازم للسكان العائدين.