أنقرة ودمشق: تفاهمات أمنية وعسكرية قادمة في ظل متغيرات إقليمية متسارعة

Facebook
WhatsApp
Telegram

خاص - سوريا 24

تستعد تركيا وسوريا للإعلان عن اتفاقيات أمنية وعسكرية وشيكة خلال شهر آب/أغسطس 2025، في خطوة تمثل تحولاً جذرياً في العلاقات الثنائية بين البلدين بعد سنوات من التوتر والقطيعة.

وتأتي هذه التطورات في سياق إقليمي معقد، يتسم بتصاعد التحديات الأمنية وإعادة ترتيب التحالفات الإقليمية، مما يعكس إدراك الطرفين للحاجة إلى تعاون استراتيجي لمواجهة التهديدات المشتركة.

تفاصيل الاتفاقية

ووفقاً لمصدر عسكري تركي رفيع المستوى، حسب ما نقل موقع قناة الشرق الإخبارية، فإن اتفاقية دفاع مشترك بين أنقرة ودمشق باتت في مراحلها النهائية، ومن المتوقع توقيعها خلال الأسابيع القليلة المقبلة.

وتهدف الاتفاقية إلى إرساء تعاون استراتيجي شامل يشمل التنسيق الأمني والعسكري، تبادل المعلومات الاستخباراتية، وتعزيز قدرات الجيش السوري من خلال الدعم الاستشاري والتدريبي.

إنشاء قواعد عسكرية تركية

تتضمن الاتفاقية إقامة ثلاث قواعد عسكرية تركية دائمة في سوريا، وهي:
قاعدة في تدمر: تقع في البادية الشرقية، وهي موقع استراتيجي بسبب موقعها الجغرافي المركزي.

قاعدة في مطار تيفور العسكري: غرب مدينة حمص، وهو مطار عسكري رئيسي.
قاعدة في مطار منغ العسكري: في ريف حلب الشمالي، وهي منطقة حيوية قريبة من الحدود التركية.

وأشار المصدر إلى أن هذه القواعد لن يتم الإعلان عنها بشكل علني في المرحلة الحالية، بل ستُؤسس تدريجياً ضمن إطار فني وعسكري متفق عليه، مراعاةً للحساسيات المحلية والدولية المرتبطة بالملف السوري.

الدعم الاستشاري للجيش السوري

ستشمل الاتفاقية تقديم دعم استشاري واسع النطاق للجيش السوري، يتضمن التدريب، التأهيل، وتزويد دمشق بالمعلومات الاستخباراتية.

كما قد تشمل الاتفاقية تزويد الجيش السوري بتجهيزات غير هجومية، بهدف تعزيز قدراته الدفاعية، خاصة في مواجهة التهديدات الإسرائيلية المتكررة التي تستهدف مواقع عسكرية في سوريا.

خلفية التقارب

تأتي هذه الخطوة بعد تلقي أنقرة طلباً رسمياً من دمشق للحصول على دعم دفاعي مشترك، في ظل متغيرات إقليمية دفعت سوريا لإعادة تقييم تحالفاتها.
وتشمل هذه المتغيرات تصاعد التهديدات الأمنية في شمال شرق سوريا، استمرار التوتر مع التنظيمات الكردية، والحد من التمدد الإيراني في الجنوب.

كما ساهمت المفاوضات غير المعلنة التي استمرت لأشهر في تمهيد الطريق لهذا التقارب.

دور مجلس الأمن القومي التركي

وعقد مجلس الأمن القومي التركي اجتماعاً برئاسة الرئيس رجب طيب أردوغان يوم الأربعاء الماضي، أكد خلاله التزام تركيا بدعم وحدة الأراضي السورية واستقرارها.

وأشار البيان الصادر عن المجلس إلى أن تركيا تعتبر مكافحة الأنشطة الانفصالية ومنع الهجمات التي تهدد سيادة سوريا أولوية قصوى، مع التأكيد على عدم السماح بجرّ سوريا إلى دوامة العنف مجدداً.

وقال المحلل السياسي، طه عودة أوغلو في حديث لمنصة سوريا ٢٤: “يبدو أن هذه الخطوة تأتي في أعقاب تطورات متسارعة على الصعيد السوري، فقد تلقّت أنقرة طلبًا رسميًا من الحكومة السورية للحصول على دعم دفاعي، خصوصًا بعد التطورات الميدانية التي شهدتها سوريا، بدءًا من الأحداث على الساحل السوري، وصولًا إلى التصعيد الأخير الذي تبعته إسرائيل”.

وأضاف: “داخليًا في سوريا، تمثل هذه الخطوة دفعة دبلوماسية مهمة، وتحفّز دمشق على إعادة النظر في خارطة تحالفاتها الإقليمية، لا سيما مع تركيا، التي قدمت دعمًا سياسيًا منذ اليوم الأول للأزمة. لكنني أرى أن هذه الخطوة، وإن كانت متأخرة، إلا أنها بالغة الأهمية، خصوصًا في ظل التحولات الجيوسياسية المتسارعة في المنطقة”.

وتابع: “هناك رسالة موجّهة إلى إسرائيل من جهة، وإلى الأكراد من جهة أخرى، خاصة القوى التي تحاول استغلال الوضع الراهن في سوريا للانفصال أو التقسيم، وبالتالي فإن تركيا، من خلال هذا التحرك، تُظهر رغبتها في منع أي محاولة لتقسيم سوريا، وتؤكد أنها لن تسمح بتوسع “الإدارة الذاتية” الكردية، مستفيدةً في الوقت نفسه من التغيرات الجيوسياسية لتعزيز نفوذها في المشهد السوري”.السياق الإقليمي للتقارب التركي السوري
يأتي هذا التقارب في ظل تحولات إقليمية كبرى، تشمل استمرار الحرب الإسرائيلية في غزة، التصعيد الإيراني الإسرائيلي، وتغير أولويات بعض الدول الخليجية.

وتعكس إعادة تفعيل العلاقات بين أنقرة ودمشق إدراكاً مشتركاً بضرورة بناء تحالفات إقليمية جديدة، خاصة مع تراجع النفوذ الأمريكي وتصاعد التهديدات الأمنية الناجمة عن الاحتلال الإسرائيلي.

وقال الكاتب والمحلل السياسي ماجد عزام في حديث لمنصة سوريا ٢٤: “الاتفاقيات الحالية تُعدّ جزءًا من مظلة حماية واسعة وراسخة لسوريا الجديدة، تشمل دعمًا تركيًا بارزًا، إضافة إلى مشاركة دول الجوار كالأردن والسعودية وقطر والإمارات، التي تستثمر بشكل كبير في إعادة الإعمار”.

وأضاف: “كما توجد مظلة حماية دولية تشمل أوروبا والولايات المتحدة، لكن الدور التركي يبرز نظرًا لامتداد الحدود التركية مع سوريا (قرابة 900 كم)، مما يجعل أنقرة أكثر اهتمامًا بالاستقرار السوري”.

وأشار إلى أن: “تركيا تدعم سوريا الجديدة في مجالات متعددة، ومن المتوقع أن يشمل ذلك دعمًا عسكريًا وأمنيًا، فبعد التصعيد الأخير في جبل العرب وتمدد مجموعات انفصالية على الساحل، وطلب سوري رسمي، بات من الطبيعي أن تقدّم تركيا خبراتها الأمنية والعسكرية لمكافحة الإرهاب وتعزيز الدولة”.

ورأى أن: “هذه التفاهمات تتم بشكل شرعي وقانوني بين دولتين، وفق مبادئ القانون الدولي وحسن الجوار، وبالتالي فإن تحقيق استقرار سوريا الجديدة له انعكاس إقليمي مباشر، خصوصًا على إسرائيل: فكلما قُوّيت سوريا عسكريًا وأمنيًا، تراجع النفوذ الإسرائيلي”.

التحديات والتوقعات

على الرغم من التقدم في المفاوضات، تواجه الاتفاقية تحديات تتعلق بالحساسيات الداخلية في سوريا، خاصة في ظل معارضة محتملة من بعض الأطراف المحلية لإقامة قواعد عسكرية تركية.

كما أن الاعتبارات الدولية، بما في ذلك ردود فعل روسيا وإيران، قد تلعب دوراً في تحديد وتيرة تنفيذ الاتفاقية.

ومع ذلك، يبقى هذا التقارب مؤشراً على إعادة تشكيل العلاقات الإقليمية، حيث تسعى كل من أنقرة ودمشق إلى تعزيز مواقعهما الاستراتيجية في ظل بيئة إقليمية مضطربة.

ومن المتوقع أن يسهم هذا التعاون في تحقيق استقرار نسبي في شمال سوريا، مع إمكانية توسيع التعاون ليشمل ملفات اقتصادية وسياسية في المستقبل.

مقالات ذات صلة