مزارعو ريف حمص بين خسائر الخضراوات وشح الإقبال على المشاتل

Facebook
WhatsApp
Telegram

خاص – سوريا 24

في ظل تفاقم الأزمات الاقتصادية والبيئية، يعيش مزارعو ريف حمص الشمالي حالة من القلق واليأس مع دخول الموسم الزراعي الصيفي، حيث تتصاعد معاناتهم بسبب شح المياه، وتراجع الإنتاج، وانهيار أسعار بيع المحاصيل مقارنةً بتكاليف الإنتاج المرتفعة، ما أدى إلى خسائر فادحة.

في المقابل، يشهد قطاع المشاتل الزراعية تراجعاً كبيراً في الإقبال، وسط تحذيرات رسمية من تفاقم أزمة المياه في المنطقة.

أزمة مياه تهدد الزراعة والمشاتل

وأشار المزارع علاء شتات، أحد أصحاب المشاتل في ريف حمص الشمالي في حديث لمنصة سوريا ٢٤، إلى أن “السنة الحالية شهدت صعوبات غير مسبوقة”.

وأوضح أن “شح المياه” كان العامل الأبرز في تراجع الإنتاج الزراعي. 

وتابع: “كانت لدينا خسائر كبيرة في محصول البطاطا، حيث بلغ إنتاج الدنم فقط طنين، في حين كان ينتج في السنوات الماضية بين 5 إلى 6 أطنان”.

ويعزو هذا التراجع إلى “جودة البذار المتدنية هذا العام”، معتبراً أن “البذار كانت مضروبة”، ما أثر سلباً على الغلة.

كما يشير شتات إلى أن محصول القمح لم يُجنَ إلا قليلاً، حيث “أكلته الأغنام” بسبب جفاف الأرض وغياب الأمطار، وعدم فتح سواقي الري من قبل الجهات المعنية.

وأبدى شتات أمله في أن “تُفتح السواقي ولو ليومين أو 15 يوماً”، مؤكداً أن “هذا كفيل بتحسين الوضع ولو جزئياً، خصوصاً أن منسوب المياه في الآبار السطحية في منطقتنا تراجع بشكل كبير”.

المشاتل بلا إقبال والأسعار لا تعكس تكلفة الإنتاج

ووصف شتات واقع المشاتل الزراعية هذا العام بأنه “كارثي”، إذ “لم يشهد الموسم أي إقبال يُذكر من المزارعين”، موضحاً أن “رغم انخفاض أسعار الأسمدة والبذور نسبياً، إلا أن الفلاح لم يعد قادراً على شرائها بسبب غياب الموسم الزراعي وفقدان الدخل”.

وبيّن أن: “كل فلاح مدين في الصيدلية الزراعية، ولا يستطيع تسوية ديونه، ما يجعله يحجم عن الاستثمار في موسم جديد”.

وذكر أن “الجو لم يساعد الزراعة”، مذكراً بغياب الأمطار وارتفاع درجات الحرارة، ما يزيد من استهلاك المياه ويقلل من فعالية الري.

وأعرب عن استغرابه من “الفجوة الكبيرة بين سعر الخضار في السوق وسعره لدى المستهلك”، قائلاً: “مثلاً، يُباع كيلو الفليفلة في السوق بـ2000 ليرة، بينما يشتري المواطن نفسه من المحل بـ5000 ليرة أو أكثر”.

وزاد بالقول: “نفس الشيء ينطبق على البصل البلدي، الذي يُباع في السوق بـ1500 ليرة، ويصل إلى المستهلك بـ3500 إلى 4000 ليرة”.

ونبّه شتات إلى أن “أكثر من نصف قيمة الخضار تُستأثر بها حلقات الوساطة”، ما يجعل المزارع يخسر.

وختم بالقول: “أنا عمري 50 سنة، وهذه أول مرة أشهد فيها عاماً كاملاً بلا ربح، بل بخسارة فادحة. البطاطا، التي لم تخسر قط مع الفلاح، خسرت هذا العام 3 ملايين ليرة للدنم”.

إفلاس موسمي وتكاليف تفوق العائدات

من جهته، أفاد ماهر بويضاني، من سكان ريف حمص الشمالي في حديث لمنصة سوريا ٢٤، بأن “القطاع الزراعي هذا العام متضرر بشكل كبير”، مشيراً إلى أن “بعض المشاتل لا تزال تعمل وتبيع بأسعار مقبولة نسبياً”.

واعتبر أن “شح المياه وانخفاض منسوب المياه في الآبار السطحية يؤثر سلباً على قدرتها على الإنتاج”.

وحسب بويضاني، فإن: “هناك بعض الزراعات الصيفية مثل الفليفلة والباذنجان، لكنها تُزرع بكميات محدودة بسبب المخاطر المرتفعة”.

وأعرب عن استغرابه من “مفارقة غريبة” في أسعار بعض الخضراوات، موضحاً أن “سعر كيلو الملوخية في السوق لا يتجاوز 400 ليرة سورية، في حين تبلغ تكلفة إنتاجه للمزارع أكثر من 1000 ليرة”، ما يعني “خسارة حتمية لكل من يزرعها”.

من الزراعة الإنتاجية إلى الزراعة التجميلية

ورغم تراجع الطلب على الشتول الزراعية الإنتاجية، يلاحظ انتشار لبعض المشاتل التي تُركز على بيع “الشتول التجميلية” مثل الأزهار والأشجار الصغيرة.

وفي هذا السياق، لفت بويضاني إلى أن “هناك بعض الإقبال من الأهالي لشراء نباتات زينة لزرعها أمام المنازل أو في الفناء”، ما يُعد متنفساً ضيقاً لبعض أصحاب المشاتل، لكنه لا يُعوّض الخسائر في الزراعة الإنتاجية. مستقبل زراعي مهدد

وتُظهر المعطيات الحالية أن الزراعة في ريف حمص الشمالي تمر بواحدة من أصعب مراحلها، حيث تجتمع عوامل متعددة: نقص المياه، تدهور التربة، تراجع جودة البذار، ارتفاع تكاليف المدخلات، هيمنة الوسطاء على الأسواق، وغياب الدعم الفعلي. ومع تزايد الضغوط الاقتصادية، يجد المزارع نفسه في مواجهة حرب خاسرة، حيث لا يُكافأ على جهده، بل يُعاقب بخسائر مالية ونفسية.

ويُصرّ المزارعون على المطالبة بتدخل عاجل من الجهات المعنية، سواء عبر “تشغيل سواقي الري”، أو “ضمان أسعار عادلة للمحاصيل”، أو “دعم المشاتل وحماية المزارع من الاستغلال”، مؤكدين أن “الزراعة ليست ترفاً، بل خط أحمر لاستقرار المجتمعات”.

تحذير رسمي: أزمة المياه تتفاقم

يشار إلى أن مجلس محافظة حمص أصدر قبل أيام “تنبيهاً مهماً” بشأن أزمة المياه في المنطقة، مبيناً أن “الأزمة تتفاقم بشكل خطير”، ومؤكداً أن “غياب الخطط الاستراتيجية لإدارة الموارد المائية خلال السنوات الماضية” هو السبب الجذري في تفاقم الأزمة.

ودعا المجلس إلى “المسؤولية الجماعية” في التعامل مع الملف، محذراً من “عواقب بيئية واقتصادية كارثية” في حال استمرار التدهور.

مقالات ذات صلة