يشكو أهالي محافظة دير الزور من تهميش ممنهج يطال جميع مناحي الحياة في المحافظة، وسط تردي حاد في الخدمات الأساسية، ما دفع السكان إلى رفع صوتهم عالياً للمطالبة بالعدالة التنموية، ووقف ما وصفوه بـ”الإقصاء المتعمد” الذي تعاني منه المنطقة، رغم كونها الشريان الاقتصادي الأول في سوريا.
صعوبات تعانيها محافظة مهمشة
وقال عبد الواحد العبد، من سكان دير الزور في حديث لمنصة سوريا ٢٤: “هناك تحديات وصعوبات تواجه تلك المحافظة المهمشة، وأبرز هذه التحديات هو موضوع الكهرباء، والقطاع الصحي، ومحطات المياه وضعف الشبكة فيها، إضافة إلى انقطاع الإنترنت وتدني جودة الاتصال، مما يعزل المدينة عن العالم ويعيق أي محاولة للتنمية أو التعليم أو حتى التواصل البسيط”.
وأضاف العبد أن “الطريق الواصل بين دير الزور ودمشق، والمعروف بـ’طريق الموت’، يشكل كارثة حقيقية”، موضحاً أن “الطريق لا يتجاوز عرضه 7 أمتار، وهو طريق واحد ذهابًا وإيابًا، ويُستخدم من قبل شاحنات النقل الكبيرة والحافلات وسيارات الشحن، ما يجعله مصدر خطر دائم على حياة المواطنين”. وشدد على أن “هذا الطريق حيوي، ليس فقط لسوريا، بل لصلتها بالعراق، ومع ذلك لم يجرِ تطويره أو توسيعه منذ سنوات”.
وأكد العبد أن “هذا التهميش لا يمكن أن يكون عفوياً، بل هو ممنهج، ويبدو أن هناك من ينتظر أن تُستثمر دير الزور من قبل قوى دولية كي يبدأ الاهتمام بها”، في إشارة إلى الشعور العام لدى السكان بأن المحافظة تُعامل كمنطقة نفوذ لا كجزء من الدولة.
خدمات سيئة وشبه معدومة
من جهته، قال المثنى أبو الحارث، أحد أبناء المدينة في حديث لمنصة سوريا ٢٤، إن “دير الزور تُنتج 70% من الناتج القومي السوري من القمح والشعير والقطن والنفط والغاز”، مستشهداً بمصادر بحثية متعددة، متسائلاً: “إذا كنا ننتج كل هذا الثروة، فلماذا نعيش في هذا التهميش؟ لماذا نُعامل كأننا مواطنون من الدرجة الثانية؟”.
وأوضح أبو الحارث أن “الخدمات في دير الزور شبه معدومة”، مشيراً إلى أن “لولا الدعم الذي تقدمه المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة (UN) والمنظمات الإنسانية الأخرى، لكان الوضع أسوأ بكثير”، مضيفاً: “حتى مشاريع النظافة والصرف الصحي تعتمد على تمويل خارجي، ورغم ذلك تبقى الخدمات سيئة جداً”.
وأشار إلى أن “أولى هموم الناس اليوم هو الخبز”، موضحاً أن “سعر الربطة زاد سبعة أضعاف عن قيمتها السابقة، في الوقت الذي قلّ وزنها وانخفضت جودتها”، لافتاً إلى أن “أسعار المعيشة ارتفعت بشكل جنوني، في حين أن الرواتب تُدفع بشكل متقطع، وبعض الدوائر الحكومية لم تسلّم رواتبها بعد”.
وأكد أبو الحارث أن “معاناة الناس تفوق الوصف”، وقال: “تحتاج قواميس كاملة لشرح معاناة أهالي دير الزور”، مضيفاً أن “أكبر مشكلة هي القيادة الحالية في المحافظة، فهم لا يمتلكون أية معرفة بالإدارة أو خدمة الناس أو وضع استراتيجيات للتنمية”، واصفاً إياهم بـ”المقصّرين والمتحزّبين”، ويعملون على “بناء سلطة شخصية، ويتكلمون بمنطق: نحن الدولة، ونحن من حرر، ونحن من يقرر”.
وأشار إلى أن “الفاسد أو المجرم، بمجرد القبض عليه، يُفرج عنه فوراً بتدخل من أقاربه في الأجهزة الأمنية”، موضحاً أن “التركيب العشائري يُستخدم كغطاء للفساد، وتطبق المقولة: ‘يبرئون خنجر القاتل ويشنقون جثة المقتول'”.
وأضاف: “الفساد هناك كبير جداً، وهم يبرّرون كل شيء بفتوى: ‘حَلَلْناه لأننا حررنا المدينة’، بينما نحن، كعوائل دفعت الثمن الأغلى، نُتهم بالعمالة للنظام إذا انتقدنا، رغم أن عائلتي فقدت أكثر من 30 شهيداً، بينهم أخي، في مواجهة الإرهاب”.
تقييم مستمر لاحتياجات المواطنين
في المقابل، أكد ماجد حطاب، مدير مجلس مدينة دير الزور في حديث لمنصة سوريا ٢٤، أن “هناك جهوداً مستمرة للتخفيف من معاناة السكان وسط ظروف استثنائية وتحديات كبيرة”، وقال إن “المجلس يعمل على تقييم مستمر لاحتياجات المواطنين ومستوى رضاهم”، مضيفاً أن “هناك تعاوناً مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) في مشاريع ترحيل الأنقاض، والحفاظ على النظافة، ونقل النفايات”.
غير أن حطاب لم يشر إلى خطط لتحسين الكهرباء، أو الصحة، أو الإنترنت، أو إصلاح الطرق، أو معالجة أزمة الخبز، ما يعزز شعور السكان بأن “الجهود المحدودة لا تكفي أمام حجم الكارثة”.
ووسط كل ذلك، لا تزال معاناة أهالي دير الزور تتفاقم وسط غياب استجابة فعلية من الجهات المعنية، حيث تبقى الكهرباء مقطوعة لساعات طويلة، ومحطات المياه تعاني من الاختناقات، وشبكة الإنترنت شبه مقطوعة، فيما تشهد الطرقات الرئيسية، خصوصاً الرابطة مع دمشق، حوادث متكررة جراء ضيقها وسوء صيانتها.
ورغم التصريحات الرسمية عن جهود تخفيف الأعباء، تبقى واقع الخدمات متردياً، والأمل في تحسن ملموس ضعيفاً أمام هيمنة الفساد، وضعف الإدارة، وغياب الخطط التنموية الحقيقية.