منذ قرابة ثمانية أشهر، اضطرت آلاف العائلات إلى مغادرة قراها الواقعة في ريف منبج الشرقي، بالقرب من سد تشرين، بعد اندلاع اشتباكات عنيفة بين الجيش السوري وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، عقب سقوط النظام السوري. وتحولت هذه القرى إلى خطوط تماس عسكري، ما أجبر نحو عشرة آلاف مدني على النزوح وترك أراضيهم وممتلكاتهم.
قرى خالية وسط الألغام والدمار
تشمل القرى المتضررة: قشلة يوسف باشا، محشية الطواحين، محشية الشيخ عبيد، خربة تويني، شاش البوبنة، الحج حسين، وقرية العلوش. وتبقى معظمها خالية حتى الآن نتيجة الانتشار الكثيف للألغام، إلى جانب الدمار الواسع الذي طال المنازل والبنى التحتية جراء القصف المتكرر.
ظروف إنسانية قاسية وغياب للخدمات
نزح الأهالي إلى قرى أكثر أمنًا مثل الروس وأبو قلقل، أو إلى منازل أقاربهم في مدينة منبج. وعلى الرغم من توقف المعارك نسبيًا، تعرقل ظروف انعدام الخدمات الأساسية—كالكهرباء والمياه—عودة السكان، إضافة إلى استمرار المخاطر الأمنية.
أصوات من قلب المعاناة
قال أحمد الحميد (45 عامًا) من قرية محشية الشيخ عبيد لمنصة “سوريا 24“:
“ظننا أن النزوح سيكون مؤقتًا لبضعة أيام، لكنه طال لأشهر. ما زلنا بعيدين عن أرضنا، وأرزاقنا تُترك للخراب.”
أما أنس العلي من قرية شاش البوبنة، فأكد أن محاولات العودة باءت بالفشل:
“مناطقنا مليئة بالألغام، والخطر يحيط بنا. حتى المظاهرات التي نظمناها لم تُقابل بأي استجابة. لا نملك إلا الأمل.”
وفي قرية العلوش التي شهدت عودة جزئية، روى الشاب أسامة الحميدي (25 عامًا) تجربته قائلاً:
“نزحنا في ذروة الشتاء بسبب القصف. كلما عدنا، وجدنا بيوتنا منهوبة. في إحدى المرات، وبينما كنت أركب دراجتي، سقطت قذيفة قرب مكاني. نجوت بأعجوبة.”
واقع خدمي منهار ومطالب بإعادة التأهيل
أوضح المهندس فراس المنصور، إداري في بلدية منبج، لمنصة “سوريا 24” أن السبب الرئيسي لانعدام الخدمات في القرى المتضررة هو تدمير شبكة الكهرباء خلال المعارك، حيث تصل الكهرباء إلى قرية أبو قلقل لساعتين فقط يوميًا، بينما القرى الأخرى محرومة منها كليًا.
وأشار إلى أن توقف مضخات المياه، مثل مضخة البابيري، أدى إلى الاعتماد على الآبار الجوفية، رغم تكاليفها المرتفعة. وأضاف أن القرى تتبع إداريًا لبلدية أبو قلقل، لكنها غير مفعّلة بسبب نقص الكوادر والآليات، وغياب دعم المنظمات لمشاريع خدمية أساسية.
ونوّه المنصور بأن الألغام المنتشرة في المنطقة تشكّل عائقًا أمام إعادة تأهيلها، مؤكّدًا عدم وجود خطط واضحة حاليًا لإعادة الخدمات ما لم يتم تأمين المنطقة وإزالة الألغام. واختتم تصريحه بمطالبة الجهات المعنية بتسريع جهود إعادة التأهيل، أو تسليم إدارة سد تشرين للحكومة السورية لضمان استقرار الخدمات.
الجيش السوري: الألغام وخروقات قسد تعيق العودة
قال المقدم عبد الرحمن الحسين، أحد الضباط الميدانيين في الجيش السوري، لمنصة “سوريا 24” إن الأوضاع الميدانية في القرى الواقعة جنوب منبج لا تزال معقدة، رغم إعلان وقف إطلاق النار.
وأكد أن فرق الهندسة العسكرية بدأت فعليًا بإزالة الألغام من المنطقة تمهيدًا لعودة الأهالي، إلا أن قوات قسد قامت بخرق الهدنة، حيث تسللت عبر أنفاق وأقدمت على أسر ثلاثة مدنيين وقتل رابع، ما تسبب بنزوح جديد.
وأشار إلى أن الاشتباكات مستمرة حتى لحظة إعداد التقرير، وأن قوات قسد تستخدم أسلحة متوسطة في خروقاتها، فيما يرد الجيش السوري على مصادر النيران لمنع أي تقدم جديد.
وختم تصريحه بالتأكيد أن هشاشة الوضع الأمني واستمرار الخروقات يشكلان العائق الأكبر أمام إعادة الاستقرار وعودة الحياة الطبيعية إلى قرى سد تشرين.
انتظار طويل وعودة معلّقة
رغم عودة جزئية إلى بعض القرى مثل العلوش وأبو قلقل، إلا أن معظم القرى لا تزال خالية، وسط ترقب حذر من الأهالي لما ستؤول إليه التطورات الميدانية والسياسية. وحتى تُزال الألغام وتُستعاد الخدمات، تبقى العودة إلى الديار حلمًا مؤجلًا ينتظر قرارًا يبعث الحياة من جديد في قرى سد تشرين.