دمشق: ترحيب بقرار الحكومة إلغاء الإيداع العقاري

Facebook
WhatsApp
Telegram

خاص - سوريا 24

عبّر عدد من أصحاب المكاتب العقارية في دمشق عن ارتياحهم الكبير لقرار مصرف سوريا المركزي القاضي بإلغاء شرط إيداع 50% من قيمة العقار في حساب مصرفي عند الشراء، والذي كان يُشكّل عائقًا طويل الأمد أمام حركة السوق، ويقيّد قدرة المستثمرين والمواطنين على إجراء عمليات بيع وشراء متتالية.

يؤكد محمد الخولي، صاحب مكتب عقاري في منطقة المزة، لمنصة سوريا 24 أن القرار “أعاد الروح لسوق البيع والشراء”، موضحًا أن الإجراء القديم كان يفرض على التاجر أو المشتري تجميد نصف السيولة، ما يعيق الحركة التجارية، خصوصًا في ظل وجود سقف سحب يومي لا يتجاوز 500 ألف ليرة سورية.

من جهته، أشار حسام حاتم، وهو تاجر عقاري في حي التجارة، خلال حديثه لمنصة سوريا 24 إلى أن التسهيل الجديد “يحمي الوقت والجهد ويزيل واحدة من أعقد حلقات الروتين العقاري”، معتبرًا أن مراجعة المصرف عند كل عملية كانت تُثقل كاهل التجار وتحدّ من قدرتهم على الاستثمار.

ويأتي قرار المصرف ضمن سياق إصلاحي أوسع أعلنته وزارة المالية منتصف تموز 2025، ويتضمن تغييرات جوهرية في أسلوب تنظيم وتوثيق المعاملات العقارية والضريبية. فقد تخلّت الوزارة عن مبدأ “القيمة الرائجة” في احتساب ضريبة البيوع العقارية، واستبدلته بالسعر التعاقدي المتّفق عليه بين البائع والمشتري.

كما أُعلن عن إعفاء المؤجرين من دفع ضريبة الإيجارات السكنية، في خطوة تهدف إلى تخفيف الأعباء عن المواطنين وتحفيز النشاط الإسكاني. وبموازاة ذلك، أُلغيت الرسوم العقارية المتفرقة، وتم دمجها ضمن ضريبة واحدة موحدة، في محاولة لتبسيط الإجراءات وتقليل الكلفة التنظيمية.
ومن الناحية التقنية، كشفت الوزارة عن نيتها إنشاء قاعدة بيانات رقمية تشمل كافة المعاملات العقارية لتسهيل التتبع وتعزيز الشفافية والرقابة.

ورغم لهجة الترحيب الرسمية، شدد حاكم مصرف سوريا المركزي، الدكتور عبد القادر الحصرية، في منشور عبر الصفحة الرسمية للمصرف على فيسبوك، على أن القرار يهدف إلى إزالة العقبات أمام المواطنين وتيسير الإجراءات العقارية، لكنه نبّه في الوقت ذاته إلى أهمية الاستمرار باستخدام الإيداع المصرفي بشكل طوعي كأداة توثيق قوية تحفظ حقوق الطرفين، وتمنع حالات النزاع أو الاحتيال أو ضياع الأموال.
كما أكد أن حرية السحب من الحساب المصرفي محفوظة قانونيًا، ولا يترتب على الإيداع أي تجميد للأموال، بل بالعكس يُعد وسيلة لحماية التعاملات وتثبيت الحقوق.

خبراء اقتصاد يرحبون بتحفظ

في حديث سابق لمنصة سوريا 24، رأى عدد من الخبراء الاقتصاديين أن التعديلات الأخيرة، وعلى رأسها إلغاء شرط الإيداع، تُعبّر عن نقلة إجرائية مهمة في محاولة لتبسيط النظام العقاري، لكنهم أشاروا إلى أن هذه النقلة قد تكون محفوفة بالمخاطر إذا لم تُرفق بأدوات رقابية بديلة.

حيث وصفت في حينه الدكتورة لمياء عاصي، الخبيرة الاقتصادية، الاعتماد على القيمة العقدية بدل الرائجة بأنه خطوة يمكن أن تسهم في تحريك السوق وتقليل النزاعات القانونية، لكنها حذرت من أن غياب منظومة تحقق مستقلة قد يؤدي إلى تراجع الإيرادات العقارية ويفتح الباب أمام تهرب ضريبي ممنهج.

أما الخبير عبد المنعم المصري، فقد اعتبر أن الإصلاحات مفهومة في سياق السوق الراهن، إلا أنه شدد على ضرورة وجود معايير واضحة تُراعي الفوارق بين المناطق وتحدد حدودًا معفاة من الضريبة لحماية الشرائح الأضعف من المواطنين.

بينما حذر يونس الكريم من أن التخلي عن شرط الإيداع البنكي يُعد تفكيكًا لأداة سيادية كانت تتيح للبنك المركزي مراقبة حركة السيولة وضبط السوق، محذرًا من أن غياب هذه الرقابة قد يفتح ثغرات واسعة لغسيل الأموال ويُربك النظام المالي في غياب مؤسسات رقابية فعالة.
ويتفق الخبراء الثلاثة على أن ما جرى يمثل إصلاحًا شكليًا ما لم يُرفق بإصلاح تشريعي وإداري أعمق، يضمن عدالة التطبيق وشفافية التنفيذ، ويمنع أن تتحول هذه التسهيلات إلى ثغرات قانونية تُستغل على حساب الدولة والمجتمع.

في المقابل، رصدت منصة سوريا 24 خلال جولة ميدانية في عدد من أحياء دمشق، ترحيبًا شعبيًا واسعًا بالقرار، حيث اعتبره الكثير من المواطنين خطوة طال انتظارها لتخفيف عبء المعاملات العقارية المعقدة.
وتكررت دعوات واضحة لإلغاء ما تبقّى من قرارات كانت تُستخدم سابقًا كأدوات للهيمنة المالية، والمضي نحو قانون يخدم المواطن ويُعيد الثقة بالقطاع العقاري.

بين ترحيب المستثمرين والمواطنين، وتحذيرات الخبراء، يقف قرار إلغاء شرط الإيداع العقاري في نقطة تقاطع حساسة بين التيسير الإداري والتنازل عن أدوات الرقابة.

إن لم يُستكمل بإصلاحات مؤسساتية فعالة، فقد يُهدد بفقدان الدولة أدواتها في التحصيل والرقابة، ويُكرّس بيئة مالية رمادية يصعب ضبطها. أما إذا تم توجيهه ضمن خطة متكاملة، فربما يكون اللبنة الأولى في بناء سوق عقاري أكثر مرونة وشفافية في سوريا ما بعد الأزمة

مقالات ذات صلة