«من أجل سما».. وعد الخطيب تعود إلى جامعة حلب وتقص حكاية الموت السوري

Facebook
WhatsApp
Telegram

خاص - سوريا 24

في مشهد يختصر سنوات من الحصار والصمود، شهد مدرج النصر في جامعة حلب عرضًا خاصًا للفيلم الوثائقي العالمي «من أجل سما»، وذلك بحضور واسع من طلاب الجامعة وناشطين وأبناء المدينة.

الفيلم، الذي أخرجته وعد الخطيب – ابنة حلب – بالتعاون مع المخرج إدوارد واتس، يوثق بعدسة متواضعة وفي ظروف شديدة الخطورة تفاصيل الحياة في الأحياء المحررة من المدينة خلال سنوات الثورة والحصار، من خلال تجربة أم شابة خلال تلك الفترة.

عودة إلى الجذور

رأت المخرجة وعد الخطيب أنّ هذه اللحظة تمثل مزيجًا من الفخر والمرارة، موضحةً لمنصة سوريا 24: “إنه لشعور عظيم أن تعود إلى المكان الذي ناضلت من أجله”، وأنّ “عرض الفيلم للمرة الأولى في جامعة حلب التي كانت منطلق الثورة وجزءًا من نضال السوريين لنيل حريتهم فيه مشاعر عظيمة، حيث تعود إلى الجذور حيث كانت الصرخة الأولى بعد سنوات من التهجير”.

ويسرد الفيلم الوثائقي الأحداث التي وقعت في حياة وعد، الشابة التي أحبت صديقًا، هو طبيب يدعى حمزة، ثم زفافهما وبعدها ولادة سما بينما يحتدم الصراع حولهما.

وبدأت وعد توثيق الأحداث بكاميرا هاتفها المحمول قبل أن تنتقل تدريجيًا لاستخدام معدات أكثر احترافية، مع بدئها في تقديم تقارير إخبارية من حلب على فترات للقناة الرابعة البريطانية.

وفي فيلم “من أجل سما” صورت وعد الأحداث يوميًا بمستشفى زوجها، وهو المستشفى الوحيد الذي كان يعمل في حلب آنذاك، والأوضاع المعيشية للأسر التي اختارت البقاء في المدينة المحاصرة مثل أسرتها.

وفي مشاهد مفزعة، رأى الجمهور وعد والناس من حولها يمرون بتجربة فقدان الأحبة والنجاة، وهم يتجادلون حول ما إذا كانوا سينزحون أم سيبقون كما هم في حلب.

وفي تلك الظروف حملت وعد بابنتها الثانية تيما، واضطرت أسرتها إلى مغادرة سوريا. وبعد أن قضوا عامًا في تركيا، استقر بهم المقام حاليًا في لندن حيث اشتركت مع البريطاني إدوارد واتس وحوّلا معًا مئات الساعات من اللقطات المصورة إلى فيلم وثائقي.

وجاءت أحداث الفيلم من وجهة نظر وعد الخطيب وطفلتها الرضيعة، حيث يرفض أهلها مغادرة المدينة من أجل مستقبل أفضل، إلى أن يُجبروا على التهجير بعد المرور بتجربة الحرب الأليمة.

أكثر من عمل سينمائي

يُعد «من أجل سما» أكثر من مجرد فيلم؛ فهو شهادة حيّة على الثورة والحصار والقصف، وعلى صون الكرامة في وجه الإبادة.

وفي ختام العرض، بيّنت وعد الخطيب أنّ حضورها في جامعة حلب يتجاوز فكرة عرض فيلم، موضحةً: أن وجودها “هنا اليوم لا يقتصر على عرض عمل سينمائي، بل هو عودة إلى صوت الثورة وروح المدينة، وتوثيق لما حدث كي لا يُنسى.. لا يمكننا العودة إلى الوراء، لكن يمكننا أن نمنع تكرار الألم”.

رسالة أمل لا تموت

وهكذا، فإن عرض «من أجل سما» في قلب جامعة حلب، بعد أعوام من الحصار والقصف والتهجير، جاء ليؤكد أنّ القصص لا تموت، وأن الحقيقة – مهما طال غيابها – لا بد أن تجد طريقها إلى النوروينتاب وعد شعور غريب يمزج بين الفخر والغصة، فتقول: “بين فخر كبير بأن أروي قصة مدينتي، وغصة عميقة لأن المكان الذي شهد بدايات الحكاية هو ذاته الذي نعرض فيه القصة كاملة الآن”.

وتشير وعد إلى الحضور في القاعة، ففي هذه القاعة ترى الوجوه التي رافقتها في المظاهرات السلمية، وفي المشفى، وأثناء التصوير.. ما تزال حاضرة، فيما غابت وجوه أخرى عن “دنيانا” إلى الأبد.

وتصف بداياتها المتواضعة في توثيق معاناة الناس بكاميرا بسيطة ومعدات متواضعة، فهي حينما بدأت التصوير، لم تكن صحفية، بل طالبة في كلية الاقتصاد، تعلمت التوثيق من الشارع ومن قلب الحدث.

“كانت حياتنا آنذاك بحدّها الأدنى: كاميرا قديمة، وبطارية بالكاد تصمد، وانعدام شبه كامل للإنترنت.. ومع ذلك، كنا نصور ونحن ندرك تمامًا أن الموت أو الاعتقال أو القصف قد يداهمنا في أي لحظة”، هكذا تصف لحظات الرعب التي عاشتها وعايشتها مع عائلتها الصغيرة والكبيرة في المدينة.

وتضيف: “مع كل هذا الخطر، كان يرافقني أمل راسخ بأن يأتي يوم نحكي فيه قصتنا، لا من أجل الماضي فقط، بل من أجل أن تبقى الحقيقة حية في ذاكرة الأجيال القادمة”.

الفيلم بعيون أبناء المدينة

عبّرت الطالبة هيا – من خريجي كلية الصيدلة – عن مشاعرها بعد العرض بقولها لمنصة سوريا 24: “الفيلم وجع حقيقي.. لقد أعادنا إلى سنوات كنا نعيش فيها الحدث لحظة بلحظة.. كان ينبغي منذ البداية أن نتحرك.. رحم الله من رحل، وألهم من تهجر الصبر.. لقد شاهدنا مشاهد مألوفة، لكننا رأيناها اليوم بعيني وعد، وكأنها للمرة الأولى”.

واعتبر المهندس حنا الناحي، الناشط في مدينة حلب وعضو اللجنة الوطنية للتنشئة الكاثوليكية، أنّ العرض يحمل بعدًا انتصاريًا، موضحًا: “كلّ لحظة في الفيلم كانت مرآة صادقة للحياة التي عشناها”، وأنّ المخرجة وعد “قدمت طرحًا واقعيًا يمزج بين الألم والأمل”، وأنّ “وجودها اليوم مع سما، بعد سنوات القهر، هو رسالة أمل تدعونا إلى مواصلة رواية حكاية مدينتنا كي تبقى حية في ذاكرة الأجيال القادمة”.

بدوره، أوضح الناشط الحقوقي عبد الرحمن خضر – الذي عايش أغلب أحداث الفيلم من داخل مشفى القدس – أنّ كل مشهد في العمل أعاد إليه تفاصيل لا تُنسى، وقال لمنصة سوريا 24: “لكل مشهد وقع خاص، إذ أعادني إلى تفاصيل المكان والأشخاص. بكيت وضحكت في آن واحد”.

وأضاف: “لن أنسى مشهد الطفل الذي فارق الحياة، لكنه يذكرني دومًا بأننا ما زلنا أحياء، وأن الأمل في بناء وطننا ما زال قائمًا”.

مسيرة حافلة بالجوائز العالمية

لا يقتصر تأثير «من أجل سما» على قيمته الإنسانية والتوثيقية، بل يمتد إلى إنجازاته العالمية.

فقد حصد الفيلم أربع جوائز في مهرجان “الأفلام البريطانية المستقلة”، هي: جائزة “أفضل فيلم بريطاني مستقل”، وجائزة “أفضل فيلم وثائقي”، وجائزة “أفضل مخرج”، وجائزة “أفضل مونتاج”، وفقًا لموقع “بي بي سي”.

كما واصل الفيلم تألقه بفوزه بجائزة أفضل فيلم وثائقي من الأكاديمية البريطانية لفنون السينما والتلفزيون “بافتا”، وترشحه لجائزة الأوسكار عن قائمة الأفلام الوثائقية، إضافة إلى جائزة العين الذهبية في مهرجان كان السينمائي، وجائزة أفضل فيلم روائي طويل في مهرجان “أفلام الهجرة” الدولي بتركيا.

حكاية الفيلم

ويروي الفيلم آثار الحرب من وجهة نظر امرأة سورية، ويتناول معاناة وعد الخطيب التي كانت شاهدة على ثورة مدينة حلب السورية، وهي تقصّ ما عاشته لابنتها الصغيرة.

300 ساعة من الحرب داخل حلب السورية هي عمر ما رصدته المخرجة بمساعدة المخرج البريطاني إدوارد واتس، ليخرج فيلم “من أجل سما” إلى النور، فظهر على أنه رسالة حب تبعثها وعد لطفلتها سما.

وتم تصوير الفيلم، ومدته 95 دقيقة، مع تعليق صوتي من وعد التي كانت صورت اللقطات منذ كانت طالبة جامعية عمرها 18 عامًا في حلب تشهد بداية الانتفاضة.

مقالات ذات صلة