ظاهرة التسوّل في القامشلي: أزمة اجتماعية تتفاقم واستغلال صارخ للأطفال والضعفاء

Facebook
WhatsApp
Telegram

خاص - سوريا 24

تشهد مدينة القامشلي تصاعدًا مقلقًا في ظاهرة التسوّل، حيث تحوّلت من سلوك فردي لحالات إنسانية إلى ما يشبه “المهنة المنظمة” التي باتت تأخذ أبعادًا اجتماعية وأخلاقية خطيرة، في ظل غياب الرقابة والمساءلة من الجهات المعنية.

مشهد متكرر… وأوجه مألوفة

يصف الأستاذ “أبو عبد الله”، وهو مدرس وصاحب محل ألبسة في سوق القامشلي، المشهد بقوله: ⁠”بات من المستحيل أن تسير في شوارع المدينة دون أن تصادف نساء يحملن أطفالهن، أو أطفالًا بمفردهم، يستجدون المال عند كل زاوية وإشارة مرور، وفي كل نقطة تجمع”.
ويضيف أن معظم هؤلاء المتسولين يروّجون لقصص إنسانية مؤثرة، كالجوع، والترمّل، والمرض، أو فقدان أزواجهم خلال الحرب ضد تنظيم داعش.

لكن الواقع – بحسب أبو عبد الله – يكشف لاحقًا أن الوجوه تتكرر يوميًا، وأن ما يحدث ليس نتيجة ظرف طارئ، بل “عمل يومي” ومنظم، بل ويُدرّ دخلًا أعلى من دخل موظفي المنظمات.

أطفال مُستغلّون بدلًا من مقاعد الدراسة

ويشير أبو عبد الله إلى مشاهداته المباشرة: “رأيت نساء يوزعن أطفالهن على زوايا مختلفة، كل طفل يقف بمفرده ويطلب المال من المارة، مما يدل على وجود تنظيم ممنهج لهذه العمليات”.
ويُعبّر عن قلقه من تأثير هذه الظاهرة على ثقة المجتمع، إذ بات الناس يشكّكون في كل من يطلب المساعدة، مما يُفقد المصداقية عن المحتاجين الفعليين، ويؤدي إلى مزيد من الإهمال لمن يستحق الدعم الحقيقي.

دعوة للرقابة والتفريق بين الحاجة والاستغلال

يختتم أبو عبد الله حديثه بمناشدة الجهات المعنية والجمعيات الإنسانية، مطالبًا برقابة صارمة على هذه الظاهرة، وإجراء تحقيقات جديّة لتمييز المحتاجين الحقيقيين عن المستغِلّين، إضافة إلى دعم العائلات الفقيرة بشكل مباشر لحمايتهم من اللجوء إلى التسوّل.

مشروع منظم يمتد إلى مدن أخرى

من جهته، يؤكد محمد، صاحب محل أجهزة اتصالات في القامشلي، أن التسوّل لم يعد مجرد حالة فردية بل تحوّل إلى “مشروع منظم”. ويقول: ⁠”أصبحنا نرى نفس الأشخاص – نساء وأطفال – يتنقلون بين أحياء المدينة يوميًا، من السوق إلى دوار الهلالية، إلى أمام المستشفى، وكأنهم يسيرون وفق خطة مرسومة”.
ويضيف أنه خلال زيارة إلى مدينة الحسكة، تفاجأ برؤية نفس الفتاة التي اعتاد رؤيتها تتسوّل في القامشلي، تمارس التسوّل هناك، ما يدل على امتداد الظاهرة إلى مدن أخرى كالحسكة، المالكية، عامودا، والدرباسية.

استغلال مؤلم وتحوّل خطير

يقول محمد إن بعض النساء اللواتي يتسولن يصطحبن أطفالًا يحملون أكياس أدوية، أو يلفّون رؤوسهم بشاش طبي لإثارة الشفقة، ويرددن نفس العبارات المؤثرة يومًا بعد يوم.

ويتابع بتحذير من تطور الظاهرة إلى ما هو أخطر: ⁠”هناك من بدأت تنتقل من التسوّل إلى ما هو أبشع، كاستغلال الجسد مقابل المال. وهذه قصص سمعناها من الناس، ما يدق ناقوس الخطر حول تدهور الواقع الأخلاقي والاجتماعي في المدينة”.

تجارة تحت ستار الحاجة

الحديث المتكرر عن تنظيمات تدير مجموعات التسوّل وتوزّعهم على أماكن محددة وتجمع منهم المال آخر النهار، يعكس حجم المشكلة، ويؤكد أن ما يحدث لم يعد ظاهرة عابرة، بل منظومة متكاملة تستغل الفقر والحرب والبطالة لتربح على حساب الضعفاء، وخصوصًا الأطفال.

مخاوف من انهيار اجتماعي وشيك

ما يجري في القامشلي – وفق إفادات الشهود – يستدعي تحركًا عاجلًا من الجهات الحكومية والمنظمات الإنسانية.

ينبغي التفريق بين الفقر الحقيقي والاستغلال المنظّم، ووضع آليات رقابة فعّالة، وتوفير بدائل تعليمية وداعمة للأطفال الذين تُنتهك طفولتهم يوميًا.
السكوت عن هذا الوضع لا يعني فقط انتشار الفوضى، بل إنتاج جيل فاقد للثقة، والتعليم، والأمان.

مقالات ذات صلة