زيارة وزير الخارجية التركي إلى دمشق: رسائل أمنية وتحركات استراتيجية

Facebook
WhatsApp
Telegram

خاص - سوريا 24

في خطوة وُصفت بالمفاجئة حلّ وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، في العاصمة السورية دمشق، بتاريخ 7 آب/أغسطس الجاري، حيث استقبله الرئيس السوري أحمد الشرع بحضور وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني.

الزيارة، التي تُعدّ الثالثة لفيدان منذ سقوط النظام السابق، حملت أجندة واسعة شملت ملفات التجارة والاستثمار والطاقة والنقل، إلى جانب القضايا الأمنية التي طغت على المباحثات.

فيدان أكد، في تصريحات أعقبت اللقاء، أن أنقرة ودمشق عازمتان على تعميق التعاون في مختلف المجالات، مشدداً على أن بلاده ستواصل دعم التطلعات المشروعة للشعب السوري، وستقف إلى جانبه في بناء مستقبل أفضل.

كما أشار إلى استعداد تركيا لتقديم الدعم للحكومة السورية في إدارة وتأمين المخيمات في شمال شرقي البلاد، بما يسهم في تعزيز الاستقرار هناك، مؤكداً استمرار دعم دمشق في محاربة التنظيمات الإرهابية.

لكن خلف العناوين الدبلوماسية، تحمل الزيارة تحمل أبعاداً أعمق، خاصة في ظل تسارع الأحداث في الشمال السوري والتوترات المرتبطة بملف “الجزيرة السورية”، حسب ما تحدث به محللون لمنصة سوريا.

زيارة أمنية بلباس سياسي

المحلل السياسي التركي مهند حافظ أوغلو، اعتبر في حديث لمنصة سوريا ٢٤، أن هذه الزيارة ليست مجرد لقاء دبلوماسي بروتوكولي، بل “زيارة أمنية تُقدَّم بثوب سياسي”.

ورأى أن أنقرة تسعى من خلالها لدفع دمشق إلى إنهاء ملف “الجزيرة السورية” بأسرع وقت ممكن، في ظل تصاعد التهديدات الأمنية على الحدود الجنوبية لتركيا.

وأشار حافظ أوغلو إلى أن التحضيرات التركية تشمل خيارين: عملية عسكرية بالتنسيق مع دمشق، أو تحرك منفرد إذا استدعت الضرورة، بهدف قطع الطريق أمام أي تهديدات أمنية ناتجة عن نشاطات مرتبطة بالإرهاب داخل الأراضي السورية.

وزاد موضحا أن: “بقاء مناطق الجزيرة السورية تحت سيطرة النظام السوري يُشكل تهديداً مباشراً للأمن الداخلي التركي، ويؤثر سلباً على الاستقرار في الداخل، ولهذا ترى أنقرة أن الانتظار لم يعد خياراً”.

ورأى أن صلب المباحثات في دمشق يدور حول هذه الملفات الأمنية، إضافة إلى بحث تعزيز التعاون السياسي في الموقف من إسرائيل، وصياغة ملامح سياسة خارجية منسقة بين البلدين، مرجحاً اتفاق دفاع مشترك قد يُعلن قريباً، ما سيشكل خطوة استراتيجية نحو تعميق التحالف بين أنقرة ودمشق، وفق تعبيره.

وفي تحليله للأبعاد الإقليمية، اعتبر حافظ أوغلو أن التحركات التركية تهدف إلى “قطع الطريق على إسرائيل وإيران”، اللتين – بحسب تعبيره – لا ترغبان في استقرار سوريا وتسعيان لإبقاء الوضع متأزماً لخدمة مصالحهما، معربا عن اعتقاده في أن تركيا ترى في تعزيز استقرار سوريا ضرورة أمنية وطنية، وليس فقط مصلحة لدمشق.

سياق سياسي وأمني متشابك

تأتي زيارة فيدان بعد أيام من تصريحات المتحدث باسم حزب “العدالة والتنمية” الحاكم، عمر تشليك، الذي انتقد ما وصفه بمحاولات التحايل على الاتفاق المبرم بين دمشق و”قسد”، والمتضمن نزع سلاح الأخيرة وتسليم آبار النفط ودمج مقاتليها ضمن الجيش السوري خلال عام. واعتبر تشليك أن هناك “مماطلة واضحة” ومحاولات تستهدف وحدة سوريا وسيادتها.

كما أكد مصدر في وزارة الدفاع التركية، الخميس، أن “قسد” لا تلتزم بالاتفاقية، وأن الاشتباكات الأخيرة بينها وبين القوات الحكومية في محيط منبج وحلب تضر بالوحدة السياسية وسلامة الأراضي السورية.

دعم مشروع “سوريا الجديدة” وتنسيق إقليمي

من جانبه، يرى الباحث في العلاقات الدولية، محمود علوش في حديث لمنصة سوريا ٢٤، أن الزيارة تحمل رسالة دعم واضحة من أنقرة للرئيس أحمد الشرع ولسياساته في بناء ما يسميه “سوريا الجديدة”، خاصة في ظل التحديات الكبيرة التي تواجهها البلاد.

وأوضح أن هذه التحديات تتراوح بين مشاكل داخلية ناجمة عن أطراف فاعلة غير منسجمة مع مشروع الدولة، وتهديدات إسرائيلية متزايدة تمثل خطراً مباشراً على الاستقرار ووحدة الأراضي السورية.

وحسب علوش، فإن هذه الزيارة تهدف إلى تنسيق الموقف مع دمشق بشأن ملفات عالقة، وعلى رأسها الوضع في الشمال السوري، حيث تسعى تركيا لخفض التوتر مع الحكومة المركزية، وترسيخ مشهد أمني مستقر يمنع أي محاولة لتجاوز الاتفاقيات القائمة.

وفي قراءته للمشهد السوري الراهن، لفت علوش إلى ما وصفه بـ”تشكل تحالف الأقليات”، الذي يُنظر إليه على أنه محاولة لمواجهة النظام الجديد في دمشق.

وتُعتبر تركيا، بصفتها لاعباً محورياً، استقرار سوريا مصلحة استراتيجية لها، وأن علاقتها مع الحكم الجديد تكتسب أهمية متزايدة في رؤيتها الأوسع للمنطقة، من خلال الحد من التدخلات الخارجية، خاصة الإسرائيلية، التي تعرقل فرص نجاح التحول السياسي والأمني، وفق علوش. كما أكد أن التعاون العسكري والأمني بات ركيزة أساسية في الشراكة الناشئة بين البلدين، مشيراً إلى أن دمشق طلبت رسمياً دعماً من أنقرة في مكافحة الإرهاب وتعزيز القدرات الدفاعية. ويخلص علوش إلى أن الزيارة قد تمثل خطوة متقدمة نحو تعميق التعاون الثنائي وتعزيز الاستقرار السوري على المدى الطويل.

نحو مرحلة جديدة؟

بين الرسائل الأمنية الواضحة التي تحدث عنها مهند حافظ أوغلو، والرؤية الإقليمية الأوسع التي طرحها محمود علوش، تبدو زيارة هاكان فيدان إلى دمشق محاولة لفتح صفحة جديدة في العلاقات السورية–التركية، قائمة على مزيج من الحسابات الأمنية والمصالح السياسية.

وإذا ما تحققت المؤشرات التي تحدث عنها الطرفان، فإن المرحلة المقبلة قد تشهد تحولات مهمة في مسار التعاون بين أنقرة ودمشق، بدءاً من الشمال السوري، مروراً بالتنسيق الأمني، وصولاً إلى اتفاقات استراتيجية قد تغيّر شكل التحالفات الإقليمية.

مقالات ذات صلة