الرقة: نازحو السخنة والعمالة بين الاستقرار المؤقت وحنين العودة

Facebook
WhatsApp
Telegram

خاص - سوريا 24

منذ بدايات الثورة السورية، شكّل النزوح أحد أكثر الجوانب الإنسانية إيلامًا، لا سيما في حالات مثل نزوح مئات العائلات من بلدتي السخنة والعمالة في ريف حمص، بعد سيطرة الميليشيات الإيرانية على البادية السورية. هؤلاء النازحون توجهوا إلى ريف الرقة، حيث أسسوا قريتين جديدتين، وأطلقوا عليهما أسماء قراهم الأصلية، في محاولة للحفاظ على هويتهم والانتماء النفسي وسط ظروف النزوح القاسية.

تحديات الواقع وتكيف قسري

رغم التهجير القسري، استطاع سكان السخنة والعمالة التكيف مع واقعهم الجديد في ريف الرقة، وبنوا حياة شبه مستقرة، ارتكزت على التضامن المجتمعي والإصرار على تجاوز المحن الاقتصادية والاجتماعية. إلا أن الانتماء العاطفي إلى بلداتهم الأصلية ظل حاضرًا، يشكل جسرًا نفسيًا لا ينقطع مع الذاكرة والمكان.

العودة على طاولة النقاش

مع التحولات الأخيرة في المشهد الميداني، ولا سيما سقوط النظام في بعض المناطق وطرد الميليشيات الإيرانية من مناطق واسعة من البادية، بدأ الحديث عن إمكانية العودة إلى المناطق الأصلية يتصاعد بين الأهالي، ما ولّد نقاشًا داخليًا معقدًا حول جدوى العودة مقابل الاستمرار في الحياة الجديدة.

فالعوامل التي تؤثر في قرار العودة متعددة، تشمل الاعتبارات الأمنية، والوضع الاقتصادي، وذكريات الحرب، والخوف من تجدّد الصراعات، وهو ما يجعل القرار أكثر تعقيدًا مما يبدو.

شهادات من الميدان

فياض العبد (55 عامًا)، نازح من بلدة العمالة، عبّر لمنصة سوريا 24 عن معاناته قائلًا: “خسرت بيتي وزوجتي، وبقيت مع أطفالي وحدي. الحياة هنا صعبة، لكن علينا الصبر من أجل مستقبلهم. قلبي متعلق بالسخنة، ولكن الخوف على سلامتنا يمنعني من العودة. عرضت منزلي في القرية الجديدة للبيع كي أرمم بيتي في العمالة، لكن لا أحد يشتري بسبب موجة الهجرة إلى العكسية.”

أحمد المصطفى (42 عامًا)، يعمل في قطاع البناء داخل القرية، قال: “العودة إلى الوطن حلم لكل واحد منا، لكن لا يمكن اتخاذ قرار في ظل هذا الغموض. نعيش ونعمل هنا رغم صعوبة الظروف. الأفضل أن نؤمن حياة أولادنا هنا، والعودة تأتي عندما يعود الأمان فعلًا.”

معاذ العواد (27 عامًا) أضاف في تصريحاته: “رأيت الحرب وتغيرت كثيرًا. الحنين للوطن لا يتوقف، لكن لا بد من التفكير بعقلانية. إذا لم يكن هناك أمان، فالحياة المستقرة هنا، رغم بعدها عن الوطن، أفضل.”

إدريس العبد (43 عامًا) قال أيضًا: “فقدت فرصًا كثيرة عندما تركت البادية. بدأت حياتي من جديد في الرقة، ورغم الصعوبات، هناك أمل. العودة ليست مجرد قرار عاطفي، بل تحتاج إلى ظروف آمنة ومستقرة. نحن عائلة ونحتاج الأمان، والرجوع ليس مجرد عودة إلى المكان بل إلى الشعور بالطمأنينة.”

حياة جديدة بروح الماضي

بمرور الوقت، اتخذت القريتان الجديدتان في ريف الرقة طابعًا ريفيًا تقليديًا، وظهرت فيهما ملامح مجتمعات صغيرة قادرة على الصمود، مدفوعة بروح التكاتف والمثابرة. شكّلت هذه البيئة حاضنة لاحتياجات الأهالي اليومية، مع استمرار معاناتهم الاقتصادية، وبقاء الأمل في مستقبل أفضل حاضرًا.

مفترق طرق: أمل العودة أم استقرار المنفى؟

يبقى ملف نازحي السخنة والعمالة نموذجًا حيًا لتحديات النزوح السوري، حيث تقف العائلات أمام خيارين كلاهما صعب: التمسك بجذورهم وأرضهم الأصلية أم البقاء في بيئة جديدة قد تكون أكثر استقرارًا. ومع تحسن الأوضاع الأمنية في بعض المناطق، يبقى قرار العودة أو الاستمرار في النزوح قرارًا شخصيًا بامتياز، تحكمه مشاعر مختلطة من الأمل والحذر والحنين، وضرورات الواقع اليومي.

مقالات ذات صلة