أعلنت المؤسسة العامة لمياه الشرب والصرف الصحي في محافظة دمشق عن إدخال تعديلات جديدة على برنامج تزويد المياه في مدينة دمشق وريفها المحيط بها، وذلك نتيجة الانخفاض الكبير في كميات المياه المنتجة من المصادر الرئيسية المغذية للشبكة، بفعل شح الأمطار وارتفاع درجات الحرارة هذا العام.
وأوضحت المؤسسة، في بيان لها، أن التعديلات التي بدأ تطبيقها منذ 15 آب/أغسطس الجاري وتستمر حتى 31 من الشهر نفسه، ستؤدي إلى زيادة ساعات التقنين، داعية السكان إلى التعاون في ترشيد الاستهلاك، ومؤكدة أن هذه الخطوة ضرورية لضمان وصول المياه إلى أكبر عدد ممكن من المشتركين، ولا سيما في أطراف الشبكة.
أدنى معدلات هطول منذ عقود
وفي حديث خاص لـ”سوريا 24”، قال مدير مؤسسة المياه في دمشق أحمد درويش إن العام الحالي شهد انخفاضًا غير مسبوق في معدلات الهطولات المطرية والثلجية، إذ لم تتجاوز نسبة الأمطار على حوض نبع الفيجة 33%، وعلى حوض دمشق 24%، مقارنة بمتوسط الهطول السنوي المسجل في سجلات المؤسسة منذ عام 1956.
وأضاف درويش أن هذا التراجع انعكس بشكل مباشر على كميات المياه الواردة من المصادر الرئيسية المغذية للعاصمة، وهي نبع الفيجة ونهر بردى ونبع حاروش وآبار المدينة، حيث انخفضت مناسيب المياه داخل الآبار وتراجعت غزارتها تدريجيًا منذ بداية الصيف، وصولًا إلى مستويات حرجة في مطلع الشهر الحالي، لتصل الكميات الواردة إلى دمشق وريفها إلى نحو 40 ألف متر مكعب يوميًا فقط.
تحديات وصيانة
وبيّن مدير المؤسسة أن خروج عدد كبير من المحطات والآبار عن الخدمة فاقم الأزمة، إلا أن ورش الصيانة التابعة للمؤسسة تمكنت من إعادة تشغيل جزء منها لتعويض النقص. كما أشار إلى أن التغيرات المناخية المستمرة جعلت عملية التخزين في الخزانات تحتاج إلى وقت أطول قبل التوزيع، ما دفع المؤسسة إلى وضع جدول تقنين جديد يتيح تخزين كميات أكبر لضمان وصول المياه لأطول فترة ممكنة، خصوصًا للمناطق البعيدة عن مراكز الضخ.
دعوة لترشيد الاستهلاك
وختم درويش بدعوة الأهالي إلى ترشيد استهلاك مياه الشرب وعدم هدرها، والالتزام بتعليمات المؤسسة، إضافة إلى الإبلاغ عن أي مخالفات أو تعديات على الشبكة، بهدف تحقيق توزيع عادل وضمان وصول المياه إلى جميع المستفيدين في مختلف الأحياء والمناطق.
شكاوى من ضعف الضخ وغياب التوزيع العادل
مع الإعلان عن برنامج التقنين الجديد للمياه في دمشق وريفها حيّز التنفيذ، تتزايد شكاوى السكان في أحياء وبلدات عدة من ضعف الضخ وغياب العدالة في التوزيع، وسط تساؤلات عن استمرار نشاط صهاريج المياه الخاصة رغم النقص الحاد في كميات المياه المنتجة.
في برزة والتل وقدسيا والهامة ومعربا وغيرها من مدن وبلدات ريف دمشق، يشتكي الأهالي من أن ساعات التزويد القليلة لا تكفي لملء الخزانات، وأن ضعف الضغط يحرم الكثير من المنازل المرتفعة من وصول المياه نهائيًا. وتتساءل نسرين، وهي من سكان منطقة معربا بريف دمشق، عن وجود صهاريج دائمًا مليئة، فتقول: “لماذا الصهاريج دائمًا مليئة؟ لماذا لا يتم منعها وتتحول فورًا إلى المنازل؟” مستنكرة أن يكون همّ المواطن السوري حصوله على أبسط مقومات الحياة.
مناطق مرتفعة محرومة منذ أشهر
في قدسيا – جادات، وهي منطقة مرتفعة، يؤكد السكان أن المياه تصل مرة كل 48 ساعة فقط، وبضغط ضعيف لا يكفي لبلوغ المنازل في الجادات العلوية، بينما تنعم الجادات السفلية بالمياه طوال فترة الضخ. وتقول سناء من الحي: “من وراء هذا التقنين لم تعد تصلنا مياه منذ شهرين، نريد توزيعًا عادلاً”.
أما في ضاحية قدسيا، فالوضع أكثر سوءًا، إذ تصل المياه، حسب شهادات السكان، مرة كل خمسة أيام، بمدة ضخ لا تتجاوز ساعتين قبل الانقطاع، رغم أن البرنامج المعلن يفترض أن تكون 12 ساعة. ويشير الأهالي إلى أن ضعف الضغط يمنع وصول المياه إلى الطوابق العليا، بينما يستغل البعض الوضع لسقي الحدائق وغسل السيارات، وحتى تركيب خزانات إضافية على الأرض أو فوق الأسطح مع مضخات كهربائية تعمل بشكل مستمر، ما يقلل من حصة بقية المشتركين.
غياب الرقابة ومطالب بالحل
يرى سكان المناطق المتضررة أن غياب الرقابة على التعديات والاستخدام المفرط للمياه يزيد من معاناتهم، مطالبين بتشديد الإجراءات لمنع استغلال الخطوط الرئيسية من قبل بعض المنازل، وضمان وصول المياه بالضغط الكافي لكل الأحياء، خصوصًا المرتفعة منها، وعدم تركهم رهينة صهاريج المياه بأسعارها المرتفعة.
الأهالي يؤكدون أنهم تعبوا من الوعود، ويحمّلون مؤسسة المياه مسؤولية إيجاد آلية توزيع عادلة، لأنهم، كما يقولون، “لا يطالبون إلا بأبسط حقوقهم التي يجب أن تتوفر لهم دون استنزاف مالي”.