على أطراف مطار كويرس في ريف حلب الشرقي، تقف القرية ومعها بلدات مجاورة مثل جديدة عربيد ورسم عبود، شاهدة على أكثر من عقد من الحرب والتدمير. موقعها القريب من خطوط المواجهة جعلها مسرحًا لتعاقب القوى العسكرية، ودفع سكانها ثمن الحرب نزوحًا ودمارًا. ورغم أن السيطرة عادت للنظام قبل نحو تسع سنوات، ما يزال معظم الأهالي يعيشون في مخيمات أو مدن أخرى، عاجزين عن إعادة إعمار بيوتهم أو استعادة حياتهم السابقة.
بدأت فصول المأساة عام 2012، حين دخلت فصائل المعارضة السورية إلى المنطقة، قبل أن يسقط جزء واسع منها بيد تنظيم “داعش” مطلع عام 2014. وفي يوليو/تموز 2016، تمكنت قوات النظام السابق من استعادتها، لكنها حوّلتها إلى مناطق عسكرية مغلقة بسبب قربها من المطار، ما حال دون عودة السكان لسنوات. ومع نهاية عام 2020، بدأ بعض الأهالي بمحاولة العودة، ليجدوا أن منازلهم قد تحولت إلى ركام.
عبدالله سليمان الثلجة، وهو من أبناء كويرس، يقول لمنصة “سوريا 24″ إنه اضطر إلى مغادرة منزله القريب من الكلية الجوية عام 2012 بعد إنذار رسمي بإخلاء المنطقة. وعندما تمكن من العودة عام 2016، وجد بيته مدمرًا بالكامل، ما دفعه للاستقرار في مدينة حلب. يعمل في الزراعة، لكن انهيار الوضع الاقتصادي حرمه من إعادة إعمار منزله أو العودة إلى أرضه، وهو اليوم يعيش على دخل محدود ويطالب بدعم القطاع الزراعي ليتمكن من الرجوع إلى قريته.
من جنوب المطار، على بعد مئات الأمتار، يروي الحاج سليمان بن أحمد قصته. فقد اضطر للنزوح إلى مخيم شمارخ في الشمال السوري، حيث عاش مع أسرته سنوات قاسية بين حر الصيف وبرد الشتاء، وتعرض للقصف الروسي على المخيمات. بعد استعادة المنطقة، عاد ليتفقد بيته فلم يجد سوى أنقاض، فعاد مجددًا إلى المخيم، وهو اليوم يطالب المنظمات الدولية بالتدخل لمساعدتهم على إعادة البناء واستئناف حياتهم.
الأرقام تكشف عمق الأزمة. ففي كويرس، التي كان عدد سكانها قبل الحرب نحو سبعة آلاف نسمة، لم يعد سوى ألف فقط. أما رسم عبود، التي كان يسكنها أربعة آلاف، فقد عاد إليها معظم سكانها تقريبًا، فيما شهدت جديدة عربيد عودة ما يقارب ثلاثة آلاف وخمسمئة من أصل خمسة آلاف، وفق ما يؤكده لؤي الثلجة، الرئيس السابق للجمعية الفلاحية لـ”سوريا 24”.
بحسب الثلجة، فإن نسبة الدمار في هذه القرى تجاوزت تسعين في المئة، خاصة في المنازل الواقعة جنوب وغرب المطار، وفي رسم عبود شرق المطار. ويعود السبب في ذلك إلى القصف الكثيف الذي استهدف مواقع تنظيم “داعش” قبل استعادة المنطقة عام 2016، ثم جاءت الزلازل الأخيرة لتضاعف حجم الخراب. كثير من الأسر باتت تعيش في خيام نُصبت داخل بقايا بيوتها، أو بلا مأوى على الإطلاق.
كانت هذه المناطق تعتمد في حياتها على الزراعة، لا سيما زراعة القمح والذرة والقطن. إلا أن سنوات الحرب منعت المزارعين من الوصول إلى أراضيهم، فتوقفت عجلة الإنتاج وانقطع مصدر الرزق. كما تراجعت الثروة الحيوانية بفعل السرقات ونقص المراعي، ما أدى إلى تفاقم الفقر والبطالة.
ورغم قسوة المشهد، فإن حلم العودة لا يزال حاضرًا في أذهان الأهالي. وهم يرون في دعم الزراعة وإعادة إعمار البنية التحتية السبيل الوحيد لإنقاذ قراهم من النسيان، وإحياء الأرض والبيوت التي هجروها قسرًا، ليعود إليها صوت الحياة بعد سنوات الصمت الطويل.