رغم الدمار والتحديات: جهود رسمية ومدنية لإعادة إحياء حمص القديمة

Facebook
WhatsApp
Telegram

خاص - سوريا 24

أكد معاون محافظ حمص لشؤون المدينة القديمة، فارس الأتاسي، في حديث لمنصة سوريا 24، أن الواقع الخدمي في حمص القديمة سيء، والبنية التحتية أقرب ما تكون إلى المتهالكة”.

وأشار إلى أن “آثار الدمار الناتج عن الحصار الذي فُرض على المدينة بين عامي 2012 و2014 لا تزال حاضرة حتى بعد مرور أكثر من عشر سنوات”.

ورغم ما تعانيه الأحياء التاريخية في حمص من صعوبات، يبرز الدور الحيوي الذي تلعبه المبادرات المدنية والتطوعية في سياق محاولات النهوض بالواقع الخدمي والبنية التحتية، في ظل تحديات كبيرة تواجه جهود إعادة التأهيل، وتتطلب تضافر الجهود بين الفعاليات المجتمعية والمؤسسات الرسمية.

واقع متهالك وتحديات مالية وخدمية

وأوضح فارس الأتاسي أن الوضع الخدمي في أحياء حمص القديمة يُصنف بـ”السيء”، مع تدهور حاد في البنية التحتية، خصوصاً في ما يتعلق بشبكات الكهرباء، المياه، الصرف الصحي، والاتصالات.

ولفت إلى أن “الضرر الكبير الناتج عن القصف المكثف خلال سنوات الحصار جعل معظم البنية التحتية غير صالحة للاستخدام، بل وتشكل خطراً على سلامة السكان”.

وأضاف: “رغم مرور أكثر من عقد على انتهاء الحصار، فإن آثار الدمار لا تزال ماثلة في شوارع المدينة القديمة، من جدران مهدمة، وشوارع مهترئة، وشبكات مياه وكهرباء مقطوعة أو متهالكة، لكنّ التحدي الأكبر اليوم هو حجم الدمار، ما يستدعي ميزانيات ضخمة لمشاريع تأهيل حقيقية، وهو ما لا تتوفر له الإمكانيات الحالية”.

دور المبادرات التطوعية: بين التحديات والإنجازات

وفي ظل هذا الواقع، برزت مبادرات مجتمعية وفرق تطوعية كشريك أساسي في محاولات تحسين الظروف المعيشية.

وبرز فريق “يلا سوريا الشبابي” كأحد أبرز هذه الفرق، حيث نفّذ حملة تنظيف واسعة بالتعاون مع معاون المحافظ، شملت شوارع السيباط، ومحيط مسجدي النخلة والحسيني، من أهم المواقع التاريخية والدينية في حمص القديمة.

وقال حسن الأسمر، قائد الفريق في حديث لمنصة سوريا 24: “نؤمن أن المبادرات المجتمعية ليست بديلاً عن الدولة، لكنها حاضنة للانتماء، ومحفّز للفعل الإيجابي، وحلقة وصل بين المواطن والمؤسسات الرسمية”.

وأضاف: “الحملة لم تكن مجرد تنظيف، بل رسالة تأكيد على أن حمص القديمة تستحق أن تعود لجمالها، وأن أهلها قادرون على المبادرة حتى في أصعب الظروف”.

وأشار الأسمر إلى أن أهمية هذه المبادرات لا تقتصر على الجانب الخدمي، بل تمتد إلى:

– تعزيز الشعور بالانتماء والمسؤولية المجتمعية لدى الشباب والأهالي.
– الحفاظ على الهوية التاريخية للمدينة من خلال صون المعالم الأثرية.
– تحسين المشهد الحضري لجذب الزوار والسياح.
– نشر الوعي البيئي كسلوك يومي مستدام.
– تعزيز العمل الجماعي بين المتطوعين والجهات الرسمية.

التحديات التي تواجه العمل التطوعي

رغم الحماسة والنتائج الملموسة، تواجه الفرق التطوعية تحديات كبيرة، على رأسها:
– تراكم الأوساخ نتيجة سنوات من الإهمال.
– قلة المعدات والآليات اللازمة للتنظيف، ما يضطر الفرق إلى الاعتماد على الأيدي العاملة.
– صعوبة الوصول إلى الشوارع الضيقة والمتفرعة في المدينة القديمة.
– ضعف الوعي البيئي لدى بعض السكان، ما يؤدي إلى تكرار إلقاء النفايات بعد التنظيف.
– غياب خطط صيانة دورية تضمن استدامة النتائج.

وأشار الأسمر إلى أن “الحملات لا تنتهي بجمع القمامة، بل نسعى لبناء وعي دائم، من خلال ورش عمل، وحملات توعية، وبرامج تدريبية للشباب في مكتب الفريق بمنطقة باب هود”.

التنسيق بين الرسمي والمجتمعي: آلية عمل منهجية

وفي هذا السياق، أوضح معاون المحافظ فارس الأتاسي أن “التنسيق بين الجهات الأهلية والرسمية لم يعد ترفيهاً تنموياً، بل بات ضرورة حتمية لمواجهة التحديات الخدمية”. وأكد أن “المحافظة تلعب دور حلقة الوصل بين الجمعيات والفرق التطوعية من جهة، والمؤسسات الحكومية من جهة أخرى”.

وأضاف: “عندما تُعرض مشكلة خدمية من قبل جهة حكومية أو أهلية، نقوم بتقييم الواقع ميدانياً، ودراسة الحلول بالتشاور مع الجهات المختصة، ثم ننسّق مع الفريق التطوعي الأنسب لتنفيذ الحل”. وأشار إلى أن “لدينا قاعدة بيانات شاملة تضم أكثر من 120 جمعية ومنظمة أهلية في حمص، ونعقد لقاءات تشاورية دورية لتحديد الأولويات وتوحيد الجهود”.

وأكد الأتاسي أن “التعاون لا يقتصر على الجانب الخدمي، بل يمتد إلى المجالات الثقافية والسياحية، مثل تنظيم جولات تراثية، وإحياء التقاليد الحرفية، وتأهيل المواقع السياحية”.هل ستُدمج المبادرات في الخطط الرسمية؟
رداً على سؤال حول إمكانية دمج المبادرات التطوعية في الخطط الرسمية طويلة الأمد، قال الأتاسي: “لا يوجد حالياً مخطط لدمج هذه المبادرات بشكل مؤسسي، وذلك حفاظاً على روحها الأهلية والاستقلالية التي تميّزها، لكننا نعمل على دعمها وتوجيهها وفق أولوياتنا الخدمية، من خلال التسهيلات اللوجستية، وتوفير التراخيص، ومتابعة التنفيذ”.

وأشار إلى أن “الدولة لا تستطيع أن تتحمل العبء وحدها، والمجتمع المدني أصبح شريكاً فعلياً في بناء المدينة من جديد”، مضيفاً: “نحن لا نستبدل الدولة، بل نكمل بعضنا البعض”.

نماذج ميدانية: من التنظيف إلى التأهيل

إلى جانب حملات التنظيف، نفّذ فريق “يلا سوريا” مبادرات متعددة، منها:
– تأهيل مدارس في الأحياء المتضررة.
– حفر آبار لتوفير مياه الشرب في ظل أزمة المياه المتفاقمة.
– تأمين إنارة للشوارع المظلمة.
– حملات دعم نفسي ولوجستي للأطفال الأيتام.
– برامج تدريبية للشباب في مجالات ريادة الأعمال، والمهارات الرقمية، والعمل المجتمعي.

ويعتبر الفريق أن هذه المبادرات “جزء من مشروع أشمل لبناء مجتمع متماسك، قادر على الصمود والنهوض”.

حمص القديمة بين الأمل والواقع

بين الحطام والطموح، تواصل حمص القديمة مسيرة العودة. بسواعد المتطوعين، وتنسيق رسمي داعم، ووعي مجتمعي متزايد، تُرسم معالم النهضة تدريجياً. لكن التحديات ما تزال جسيمة، وتحتاج إلى خطط استثمارية طويلة الأمد، ودعم محلي ودولي، ورؤية تنموية متكاملة.

ففي حمص، لم يعد الحديث عن “إعادة الإعمار” مجرد شعار، بل أصبح عملاً يومياً، يبدأ بيد شاب يحمل كيس نفايات، وينتهي بخريطة تطوير تُرسم بالتعاون بين المواطن والدولة.

مقالات ذات صلة