أكد المغيرة حاج قدور، مدير مديرية المنشآت والاستثمار المركزية في وزارة الرياضة والشباب، في حديث لمنصة سوريا 24، على الجهود والخطط الشاملة لإعادة تأهيل البنية التحتية الرياضية في سوريا، في خطوة تُعدّ الأضخم من نوعها منذ سنوات.
وبيّن أن هذه الخطط تُشكل مفصلاً حاسماً في مسار إعادة إحياء الحراك الرياضي، وتمكين الشباب من استعادة مساحات آمنة للعب، والتنافس، والانتماء.
خطة وطنية شاملة للنهوض بالرياضة
أشار حاج قدور إلى أن المرحلة الثانية من الخطة قد بدأت فعلياً على الأرض، وتُنفذ بالتعاون مع شركات محلية وطنية متخصصة، حيث شملت أعمال الترميم مشاريع حيوية في عدد من المحافظات، أبرزها:
– إدلب: توقيع عقد مع شركة “الراقي” لترميم ملعب وصالة الشيخ تلت، أحد المرافق الرياضية الرئيسية في المحافظة.
– حلب: إبرام اتفاق مع شركة “البناء والتعمير” لإعادة تأهيل صالة الاتحاد الرياضية، إلى جانب مواصلة العمل في صالة الحمدانية، إحدى أكبر الصالات الرياضية في البلاد.
– حريتان: إطلاق مشروع ترميم شامل لنادي الفروسية، الذي يُعد من المراكز التاريخية في الرياضة الفروسية السورية.
وأوضح حاج قدور أنّ هذه المشاريع لا تُعدّ مجرد صيانة، بل تمثل ترميماً شاملاً يهدف إلى رفع الكفاءة التشغيلية والهندسية للمنشآت، لتصبح قادرة على استضافة بطولات وطنية ودولية، وخدمة آلاف الرياضيين والشباب.
المرحلة الثانية: من الطوارئ إلى التخطيط الاستراتيجي
أكد حاج قدور أن المرحلة الثانية تختلف جوهرياً عن المرحلة الأولى من حيث الأهداف والإجراءات:
– المرحلة الأولى ركّزت على التدخل العاجل، من خلال صيانة المنشآت الحيوية وترميمها بشكل سريع لضمان استمرارية النشاط الرياضي، خاصة في المناطق التي شهدت عودة تدريجية للحياة العامة.
– المرحلة الثانية، في المقابل، تُعد استراتيجية وشاملة، وتهدف إلى تأهيل مستدام للبنية التحتية، وفق معايير حديثة، مع إعطاء الأولوية للمشاريع الكبرى التي تخدم قطاعات واسعة من المجتمع.
وأضاف: “في المرحلة الأولى، اضطررنا أحياناً إلى اللجوء إلى العقود بالتراضي بسبب الظروف الطارئة، أما الآن، فإننا نلتزم بآليات المناقصات العامة والعلنية، وفق المرسوم 450 لعام 2004 والقانون 51، لضمان الشفافية، والمنافسة العادلة، ومشاركة أوسع للشركات الوطنية المؤهلة”.
مناقصات جديدة في 4 محافظات
أشار حاج قدور إلى أن الوزارة تعمل على طرح دفعة جديدة من المناقصات، تستهدف تغطية مناطق لم تشملها المشاريع الكبرى بعد، بهدف تحقيق التوازن التنموي، وضمان العدالة الجغرافية.
وأوضح أن المحافظات المستهدفة في هذه الدفعة هي:
– الرقة
– إدلب
– درعا
– السويداء
وأكد أن الإعلان الرسمي عن هذه المناقصات سيتم خلال الربع الأخير من عام 2025، عبر الجريدة الرسمية ووسائل الإعلام الرسمية، مع تحديد جداول زمنية دقيقة ضمن دفاتر الشروط لكل مشروع، وفرض رقابة صارمة على المتعهدين لضمان الالتزام بالمواعيد.
حجم الإنجاز: عشرات المنشآت في طور التأهيل
رداً على سؤال حول حجم العمل المنجز، أشار حاج قدور إلى أن المرحلة الأولى نجحت في إعادة تأهيل عشرات المنشآت الرياضية، شملت ملاعب، وصالات، ومسابح، في مختلف المحافظات، ما ساهم في عودة النشاط الرياضي إلى أكثر من 30 نادياً محلياً.
أما المرحلة الثانية الجارية حالياً، فتشمل عدداً مماثلاً أو أكبر من المنشآت، لكنّ ما يميزها هو طبيعة المشاريع الكبرى والشاملة، مثل إعادة بناء المدينة الرياضية في دير الزور، وتأهيل صالة الحمدانية في حلب، والتي تتطلب استثمارات أكبر وفترة تنفيذ أطول، لكنها تُحدث أثراً مجتمعياً أعمق.
حلب ودير الزور: أولوية قصوى لإعادة البناء من الصفر
وفي رده على سؤال حول الوضع في المحافظات الأكثر تضرراً، أكد حاج قدور أن حلب ودير الزور تحتلان المرتبة الأولى في سلم الأولويات، نظراً لحجم الدمار الكبير الذي لحق ببنيتهما التحتية.
وأوضح أن الخطة لا تقتصر على الصيانة الجزئية، بل تشمل:
– الترميم الشامل للمنشآت التي تضررت بنيتها الأساسية ولكنها قابلة للإصلاح، مثل صالة الحمدانية.
– إعادة البناء من الصفر للمنشآت التي دُمرت كلياً، أبرزها المدينة الرياضية في دير الزور، التي سيتم إعمارها وفق تصاميم حديثة تراعي متطلبات العصر.
– الصيانة الدورية للمنشآت التي تعرضت لأضرار طفيفة.
وأضاف: “هدفنا ليس فقط استعادة ما فقدناه، بل البناء بشكل أفضل وأكثر استدامة، لخدمة الأجيال القادمة”.معايير اختيار المنشآت: دقة فنية وشفافية مجتمعية
وحول معايير اختيار المنشآت المستهدفة، أوضح حاج قدور أنّ القرار لا يُتخذ بشكل عشوائي، بل يخضع لـ**عملية تقييم دقيقة تعتمد على خمسة معايير رئيسية:
– حجم الضرر: يتم تقييم كل منشأة من قبل لجان فنية متخصصة.
– الأهمية الاستراتيجية: تُعطى الأولوية للملاعب والصالات الكبرى التي تخدم آلاف الرياضيين.
– الكثافة السكانية والشبابية: نركز على المناطق التي تضم نسباً عالية من الشباب.
– التوزيع الجغرافي العادل: نضمن وصول المشاريع إلى جميع المحافظات.
– الجدوى الفنية والاقتصادية: تُدرس التكلفة مقابل الفائدة الاجتماعية.
وأكد أن الأولوية لا تُعطى تلقائياً للمنشآت المدمرة أو تلك القائمة، بل تُحدد حسب المصلحة العامة، مشيراً إلى أنّ بعض المنشآت التي لا تزال قيد الاستخدام قد تحظى بالأولوية إذا كانت حيوية وتشكل مركزاً رياضياً رئيسياً للمجتمع.
الرياضة: منارة للفرح ورافعة للوحدة الوطنية
في ختام حديثه، وجّه حاج قدور رسالة إلى الشباب السوريين: “أنتم القوة الدافعة خلف كل مشروع نقوم به، وهذه الملاعب والصالات ليست مجرد أماكن للعب، بل مجالس للهوية، ومساحات للانتماء، ومحطات للإنجاز”.
وأضاف: “نحن نؤمن أن إعادة بناء الملاعب هي بداية لإعادة بناء الثقة، وتوحيد النسيج الاجتماعي، وصناعة مستقبل مشرق. والرياضة ستظل، كما كانت دائماً، أحد أبرز أدوات بناء الوطن”.
مشروع وطني يتجاوز الرياضة
إنّ خطة ترميم المنشآت الرياضية في سوريا ليست مجرد برنامج تطوير بنية تحتية، بل مشروع وطني لإعادة إحياء الروح الجماعية، وتوفير بيئة صحية وآمنة للشباب، وتمكينهم من المساهمة في بناء مستقبلهم.
ومع انطلاق المرحلة الثانية، واتساع نطاق المشاريع، ووضوح الآليات، تُرسم ملامح عصر جديد للرياضة السورية، عصر يبدأ من الملعب، لكنه ينتهي ببناء وطن.