تشهد محافظة حلب وريفها أزمة سكن خانقة جراء الارتفاع الكبير في أسعار الإيجارات، ما جعل تأمين منزل مناسب أمراً بالغ الصعوبة بالنسبة للعديد من العائلات، خاصة النازحين والمهجرين الذين يفتقرون إلى مصادر دخل ثابتة.
ففي مدينة حلب، تجاوز بدل إيجار أي منزل عادي 600 دولار شهرياً، بينما بلغت الأسعار في ريف المحافظة، مثل مدينة أعزاز، أكثر من 300 دولار شهرياً.
وتفرض المكاتب العقارية شروطاً إضافية تثقل كاهل المستأجرين، حيث يُطلب تسديد بدل إيجار ستة أشهر مقدماً، إضافة إلى مبلغ تأمين يعادل إيجار شهر واحد، إلى جانب أتعاب المكتب العقاري التي تعادل بدورها إيجار شهر كامل، وبذلك يحتاج المستأجر إلى ما لا يقل عن 2400 دولار أمريكي قبل تسلُّم المنزل.
هذه الشروط المجحفة والارتفاع الكبير في الأسعار جعلت العثور على منزل للإيجار مهمة شبه مستحيلة، إذ قد يحتاج المستأجر إلى أشهر طويلة من البحث حتى يجد منزلاً مناسباً، حتى في حال توفّر المبلغ المطلوب.
ومع انسداد الأفق أمام كثير من العائلات، اضطر بعض النازحين إلى العودة لمنازلهم المدمرة أو المتضررة جراء الحرب، رغم افتقارها لأبسط مقومات الحياة من كهرباء ومياه وخدمات أساسية، مفضلين ذلك على دفع مبالغ باهظة لا طاقة لهم بها.
وقال أبو أحمد، أحد سكان مدينة أعزاز، في حديث لـ ”سوريا 24”: إن “هذه الأزمة لا تقتصر على مدينة حلب وحدها، بل تمتد إلى معظم مدن الريف الشمالي، حيث يتضاعف الطلب على السكن مع تزايد أعداد النازحين والمهجرين، غياب الرقابة على المكاتب العقارية وغياب خطط إسكان حقيقية يزيد من تفاقم المشكلة”، محذراً من انعكاساتها الاجتماعية والإنسانية الخطيرة.
كما تحدثت أم محمد، وهي نازحة تعيش حالياً في مدينة حلب، قائلة: “بحثت لشهور طويلة عن منزل أستأجره مع أولادي، لكن المبالغ المطلوبة تفوق قدراتنا تماماً، لم أجد أمامي خياراً سوى العودة إلى منزلنا المدمر في حي صلاح الدين، رغم أنه بلا كهرباء ولا مياه، لكن على الأقل لدينا سقف يحمينا من الشارع”، مؤكدة أن الوضع أصبح مأساوياً لكثير من النساء الأرامل والعائلات التي لا معيل لها.
ويطالب الأهالي بضرورة تدخل الجهات المحلية والمنظمات الدولية لإيجاد حلول عاجلة، من خلال إطلاق مشاريع إسكان مخصصة للنازحين، وتقديم دعم مالي يخفف من عبء الإيجارات، إضافة إلى وضع ضوابط تحدّ من استغلال حاجة المستأجرين.
وفي ظل استمرار الأزمة المعيشية وارتفاع أسعار السلع الأساسية، يبقى السكن أحد أبرز التحديات التي تواجه سكان حلب وريفها، حيث يجد الكثيرون أنفسهم بين خيارين أحلاهما مرّ: دفع مبالغ خيالية لقاء إيجار منزل، أو العودة للعيش في بيوت مهدمة تفتقر لأدنى مقومات الحياة.