في خطوة تُعد من أبرز ملامح النهوض بالقطاع الصحي في ريف حمص الشمالي، وُقعت مذكرة تفاهم بين وزارة الصحة السورية ومنظمة “إيمرجنسي الدولية”، لإعادة تأهيل وتجهيز المستشفى الوطني في مدينة الرستن، بقيمة إجمالية تبلغ 20 مليون دولار.
وأكد الدكتور عبد الكريم غالي، مدير صحة حمص، في حديث لمنصة سوريا 24، أن هذا المشروع يمثل “انطلاقة حقيقية” نحو تحسين الواقع الصحي في منطقة طالما عانت الإهمال ونقص الخدمات الطبية.
وأشار إلى أن “إعادة تأهيل مشفى الرستن تأتي لمعالجة أزمة حقيقية يعيشها السكان، فالمعاناة من صعوبة المواصلات ونقص المشافي جعلت تلقي العلاج حلمًا بعيد المنال لكثير من المرضى”.
وأوضح غالي أن “المرضى في الرستن كانوا يضطرون إلى السفر لمسافات طويلة، أحيانًا تتجاوز الساعتين، للوصول إلى مدينة حمص أو مناطق أخرى لتلقي العلاج، وهذا يشكل عبئًا كبيرًا على كاهل العائلات، خصوصًا في الحالات الطارئة أو المزمنة”.
وزاد بالقول: “اليوم، مع بدء هذا المشروع، نعد السكان بأن الخدمة الطبية ستكون قريبة وميسرة، وستحدث تحسنًا كبيرًا في نوعية الحياة”.
ولفت إلى أن المشروع سينفذ على مراحل، تبدأ بإعادة تأهيل البنية التحتية للمستشفى، وتجهيزه بأحدث المعدات الطبية، وتدريب الكوادر الطبية والتمريضية، على أن يُبنى بعدها نظام صيانة مستدام يضمن استمرارية العمل بكفاءة عالية. وقال: “أي مشروع يجب أن يكون له أثر مباشر في حياة الناس، وهذا ما نسعى إليه من خلال هذا المشروع الطموح”.
وأكد أن “الإسعاف سيكون له الأولوية الاستراتيجية في المرحلة الأولى”، موضحًا أن “المريض في حالة طوارئ لا يتحمل الوقت الطويل، والوصول السريع للعلاج قد يعني الفرق بين الحياة والموت”.
ونوّه إلى أن تفعيل قسم الطوارئ سيشكل حلًا فوريًا للحالات الحرجة، وسيقلل بشكل ملحوظ من معدلات الوفيات الناتجة عن التأخير في نقل المرضى.
وأضاف: “القطاع الصحي بحاجة ماسة إلى إنعاش ومساعدة، وخاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد، وشح الموارد المالية. نحن في بداية طريق النمو والتعافي، والشراكة مع منظمات دولية موثوقة مثل إيمرجنسي الدولية تمثل دعمًا كبيرًا ليس فقط لريف حمص الشمالي، بل يمكن أن يمتد أثره ليشمل مناطق في الريف الجنوبي لحماة”.
وأوضح أن “العمل سيبدأ رسميًا في بداية الشهر التاسع من العام الحالي”، لافتًا إلى أن “مجرد الانتهاء من أعمال الترميم، ستنطلق مباشرة مرحلة التجهيز، وبعدها سيكون لدينا مشفى متكامل، مع كوادر طبية مؤهلة، جاهزة لتقديم الخدمة”.
وبين أن “المنظمة ستتولى الإشراف على تدريب الكوادر، وضمان جودة الأداء، على أن تنتقل إدارة المستشفى تدريجيًا إلى الكوادر المحلية، لضمان استدامة العمل وبناء قدرات وطنية قادرة على قيادة هذه المؤسسة مستقبلًا”.
وذكر أن “التنسيق الكامل مع وزارة الصحة سيكون حاضرًا في جميع مراحل التنفيذ”، مضيفًا أن “الهدف ليس فقط إعادة بناء مبنى، بل بناء نظام صحي فاعل، يضمن وصول الخدمة إلى كل محتاج، ويعيد الثقة بين المواطن والمؤسسة الصحية”.
ومن المقرر أن تشمل المراحل اللاحقة من المشروع، بعد تفعيل الطوارئ، تطوير أقسام التوليد وأمراض النساء ورعاية حديثي الولادة، إلى جانب افتتاح عيادات خارجية متخصصة لعلاج الأمراض المزمنة وغير السارية، مثل السكري وارتفاع ضغط الدم، التي تشكل عبئًا صحيًا كبيرًا على السكان.
وقال الدكتور غالي أيضًا: “نحن في بداية الطريق، لكن هذه البداية تحمل أملًا كبيرًا. ومع كل مريض يُنقذ، ومع كل أم تُولّد بسلام، ومع كل طفل يُعالج دون أن يسافر، نكون قد حققنا نجاحًا”.
ويُنظر إلى هذا المشروع كواحد من أضخم الاستثمارات الصحية في المنطقة خلال السنوات الأخيرة، ويُعد نموذجًا للتعاون الفعّال بين الدولة والمنظمات الدولية، في مساعٍ جادة لإعادة بناء البنية التحتية الصحية، وتقديم رعاية طبية عادلة ومستدامة لجميع السوريين.