في مشهد يعكس حجم الدمار الذي خلفته سنوات الحرب الطويلة، تعيش مدينة دير الزور أزمة سكنية حادة، تمتد من البيوت المدمرة بالكامل إلى تلك التي تم “تعفيشها” بشكل منهجي، في وقت يعجز فيه أغلب السكان عن ترميم منازلهم بسبب تكاليف باهظة تفوق طاقتهم المادية.
البيوت معفشّة والترميم بنحو 8000 دولار
وقال منير بدر الحمد، من سكان دير الزور في حديث لمنصة سوريا 24، شارحاً حال المساكن في المدينة: “نسبة كبيرة من المنازل تم سرقة أبوابها والشبابيك، وأسلاك الكهرباء والتمديدات الصحية بشكل كامل، بل إن السارقين لم يكتفوا بذلك، بل استخدموا مادة كيميائية خاصة يرشونها على البلاط والسيراميك، وبعد يوم واحد يتم نزعها بسهولة وسرقتها بالكامل”.
وأضاف: “البيوت لم تُدمّر فقط بالقصف، بل تم تفريغها من الداخل، حتى باتت مجرد أطلال خاوية. من يريد اليوم ترميم منزله المُعفش يحتاج إلى ما لا يقل عن 8000 دولار أميركي، وهذا المبلغ يفوق بكثير قدرة الناس على تأمينه”.
وأشار إلى أن هذا الواقع يجبر العائلات على خيارين صعبين: إما الاستقرار في منازل مهددة بالانهيار، أو الانتقال إلى مناطق بعيدة عن الحي الأصلي، والاستئجار بأسعار مرتفعة نسبياً في ظل شح الموارد.
وأصر الحمد على أن الحل لا يمكن أن يكون فردياً، داعياً المنظمات الإنسانية والدولية إلى “التحرك العاجل لدعم أصحاب المنازل التي تم تعفيشها، وتوفير المواد الأساسية للترميم، أو تقديم منح ميسّرة تمكن الأهالي من العودة إلى بيوتهم”.
بلدية دير الزور: جهود إعادة التأهيل مستمرة
في سياق متصل، أوضح كل من جاسم الكاظم، مسؤول الإعلام في بلدية دير الزور، ورئيس البلدية ماجد الحطاب في حديث لمنصة سوريا 24، تفاصيل الجهود المبذولة لإعادة تأهيل البنية السكنية في المدينة، مؤكدين أن “التعاون مع المنظمات المحلية والدولية مستمر من أجل دعم عمليات الإعمار وتوفير ظروف معيشية آمنة للسكان”.
ولفت الحطاب إلى أن “الوضع السكني في دير الزور ينقسم إلى شقين: الأول، البيوت المدمّرة بالكامل أو جزئياً، والثاني، البيوت التي لم تُدمّر لكنها خضعت لعملية نهب منظّمة، ما يجعلها غير صالحة للسكن دون ترميم شامل”.
وأشار إلى أن “قسماً من الأهالي عادوا واستقروا في منازلهم المدمرة بعد إجراء ترميمات أولية، بينما اضطر آخرون إلى الاستئجار في مناطق متفرقة، ما أدى إلى تشتّت الأحياء والتماسك الاجتماعي الذي كان قائماً قبل الحرب”.
إحصائيات صادمة: 5870 شقة متضررة في 17 حياً
وقدّمت البلدية بيانات مفصلة حول عدد الوحدات السكنية المتضررة في الأحياء الرئيسية في المدينة، حيث بلغ إجمالي الشقق السكنية في الأحياء المتضررة 5870 شقة، توزعت وفقاً للجدول التالي:
– 2000 شقة في الحميدية
– 600 شقة في العمال
– 550 في الجبيلة
– 450 في الشيخ ياسين
– 400 المطار القديم
– 300 كنامات
– 275 العرفي
– 265 العرضي
– 250 الرصافة
– 250 الصناعة
– 220 الحويقة
– 150 خسارات
– 100 الموظفين
– 60 الجمعيات
وأكد المسؤولان أن عدد الأحياء المتضررة يصل إلى17 حياً، من بينها:
الضاحية، الأغوات، كنامات، المنطقة الصناعية، الحويقة، الطحطوح، هرابش، طب هرابش، المطار القديم، الشيخ ياسين، غازي عياش، الرشدية، الجبيلة، القصور، الجورة، الموظفين، حي العمال، والحميدية.
وتتراوح نسبة الأضرار في هذه الأحياء بين 45% إلى نحو 70%، بحسب تقييمات فرق الإعمار، حيث تصنّف الأضرار بين “متوسطة” و”شديدة”، ما يستدعي عمليات ترميم معقدة تتطلب وقتاً طويلاً وتكاليف كبيرة.
تباين في عودة السكان
ويُظهر الواقع السكاني تبايناً كبيراً في عودة الأهالي إلى مناطقهم الأصلية. ففي حين يعيش بعض الأحياء بـ 2% فقط من سكانها الأصليين، تشهد مناطق أخرى عودة تفوق 80% إلى 90%، بينما تبقى مناطق أخرى عند حدود 50% أو 20% من الكثافة السكانية السابقة.
ويعود هذا التباين إلى عدة عوامل، منها: مستوى الدمار، توفر الخدمات الأساسية (مياه، كهرباء، صرف صحي)، قرب الحي من مراكز المدينة، ووجود مبادرات محلية أو دعم منظمات دولية.
بصيص أمل في ظل تحديات هائلة
ورغم الصعوبات الجسيمة، تُبذل جهود متواصلة من قبل البلدية والمجتمع المحلي، بالتعاون مع منظمات إغاثة دولية، لإعادة تأهيل بعض المباني السكنية، وتوفير مأوى مؤقت للعائدين. وتشمل هذه الجهود ترميم شبكات المياه والكهرباء، وإزالة الأنقاض، وتقديم مواد بناء مبسطة.
لكن التحدي الأكبر يبقى في التمويل، حيث تشير التقديرات إلى أن تكلفة إعادة تأهيل وحدة سكنية واحدة تتراوح بين 5000 و10000 دولار، اعتماداً على درجة التدمير، وهو مبلغ لا يمكن لغالبية السكان تأمينه في ظل البطالة المرتفعة وانهيار الوضع الاقتصادي.