في القامشلي، كما في معظم مدن سوريا، تتجسد الأزمة المعيشية في وجوه العشرات من العمال الذين يتجمعون يومياً منذ ساعات الصباح الأولى في الشوارع والساحات العامة على أمل الحصول على فرصة عمل مؤقتة. حياتهم باتت مرهونة بفرص غير مضمونة، وأجور يومية لا تكفي لتغطية أبسط احتياجات الأسر في ظل الغلاء المتصاعد وغياب فرص العمل المستقرة.
رزق غير مضمون
إبراهيم الجاسم، خريج كلية التربية من ريف القامشلي الجنوبي، يجسد معاناة مئات العمال اليوميين. يقول لمنصة سوريا 24: “نقف يومياً في الشوارع منذ ساعات الصباح الباكر بانتظار أن يأتي أحد أصحاب العمل ويطلب عمالاً. في كثير من الأيام نقضي النهار كاملاً دون أن يطلبنا أحد، وفي حال حصلنا على عمل لا يتجاوز الأجر خمسين ألف ليرة، وهو مبلغ يطير قبل أن نصل إلى منازلنا بسبب ارتفاع الأسعار”.
ويضيف أن العمل الذي يحصلون عليه، إن توفر، غالباً ما يكون شاقاً ولا يتناسب مع الأجور الزهيدة. ومع ذلك، فإن معظم العمال يقبلون به على أمل أن يؤمن لهم لقمة العيش لأطفالهم.
أعداد متزايدة وضغوط متراكمة
ظاهرة تجمع العمال في شوارع القامشلي لم تعد مقتصرة على مجموعة صغيرة، إذ يشير الجاسم إلى أن الأعداد في تزايد مستمر، “كل يوم يزداد عدد الواقفين في الساحة، وكل واحد منهم يحمل قصة مختلفة: منهم من لديه أطفال صغار، ومنهم من يلاحقه الدين أو يعاني من عبء الإيجارات”.
الوضع، بحسب الجاسم، لم يعد مجرد بحث عن عمل، بل بات انعكاساً لأزمة اقتصادية خانقة يعيشها المجتمع بأسره، حيث أصبح العمل اليومي الهش الخيار الوحيد لمئات العائلات.
معاناة مضاعفة مع المرض
فادي، أحد سكان القامشلي، يعكس صورة أخرى من هذا الواقع المرهق، إذ تجمع معاناته بين همّ العمل وهمّ علاج طفله المريض المصاب بارتخاء في الأعصاب. يقول لمنصة سوريا 24: “أخرج يومياً عند السادسة صباحاً وأبحث عن أي عمل: تنظيف، عتالة، أو نقل البلوك للبناء. ورغم المشقة والتعب، ما نحصله لا يكفي. حتى في الأيام التي أحصل فيها على ستين ألف ليرة أشعر أنني عاجز أمام تكاليف العلاج والبيت”.
ويتابع: “نقف في الساحة أكثر من سبعين عاملاً يومياً، ننتظر أن يطلبنا أحد. عندما يأتي صاحب عمل، يتراكض الجميع خلفه وكأننا نركض خلف الأمل الوحيد. لكن الحظ لا يقف مع الجميع، فهناك عمال لم يحصلوا على عمل منذ أسبوع كامل”.
همّ يومي بلا حلول
العمال في القامشلي يصفون وضعهم بأنه “عيش يوم بيوم”، حيث لا مجال للتخطيط أو الادخار. معظمهم يعتمد على الديون لتسيير أمور أسرهم، ما يزيد من شعورهم بالضغط النفسي والعجز أمام عائلاتهم.
ويقول فادي: “أعود أحياناً إلى منزلي فارغ اليدين، غير قادر على شراء شيء لأولادي. هذا الشعور يوجع القلب ويجعل الإنسان يفقد طاقته. ما نطلبه ليس الكثير، فقط عملاً يضمن لنا حياة بكرامة”.
مستقبل غامض وأفق مسدود
تتجمع شهادات العمال عند قاسم مشترك: الغلاء المستمر، قلة فرص العمل، وانعدام الأمان الاقتصادي. فالأجور اليومية التي لا تكفي لتغطية أبسط الاحتياجات، إلى جانب ازدياد أعداد العاطلين، تجعل المشهد أكثر قتامة.
في ظل هذه الظروف، تبقى حياة مئات الأسر في القامشلي رهينة الانتظار في الشوارع والساحات، بانتظار رزق قد يأتي أو لا يأتي، فيما يستمر الغلاء في قضم ما تبقى من قدرتهم على الصمود.